مقالات

  11-09-2025

توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في ضوء قانون العمل المصري رقم 14 لسنة 2025: فلسفة القانون والممارسات الدولية المقارنة

يمثل قانون العمل المصري رقم 14 لسنة 2025 نقلة نوعية نحو تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وضمان دمجهم الكامل في سوق العمل بشكل عادل ومنصف. فقد جاء هذا القانون استجابةً لحاجة ملحّة إلى سد الفجوة الكبيرة بين نسب توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم، إذ تشير بيانات الأمم المتحدة ولجان الإعاقة الدولية إلى أن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في مصر يبلغ حوالي 12 مليون فرد، لكن نسبة مشاركتهم في سوق العمل لم تتجاوز 38.1% مقابل 44.3% لغير ذوي الإعاقة. وقد دخل القانون حيّز التنفيذ في الأول من سبتمبر 2025 مع إلزام الجهات المختصة بإصدار اللوائح التنفيذية بحلول الثلاثين من نوفمبر من العام نفسه، بما يعكس جدية الدولة في توفير إطار تشريعي يضمن المساواة وتكافؤ الفرص وحماية حقوق هذه الفئة المهمة من المجتمع.

تستند فلسفة القانون المصري إلى مبدأ أساسي يقوم على الدمج الكامل للأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل باعتبارهم جزءًا أصيلًا من القوة البشرية والتنموية، فالقانون لا يقتصر على النصوص التي تمنع التمييز فقط، بل يتضمن مزايا عملية تساعد على التمكين الاقتصادي والاجتماعي، مثل حظر التمييز في جميع مراحل التوظيف بداية من الإعلان عن الوظائف وحتى الترقية وأداء المهام اليومية، والنص على بطلان أي بنود أو قرارات تتعارض مع أحكامه سواء صدرت قبل أو بعد تطبيقه، بما يوفر حماية قانونية شاملة، إضافة إلى منح العاملين من ذوي الإعاقة إجازة سنوية مدفوعة الأجر لا تقل عن 45 يومًا، وإلزام أصحاب الأعمال بتقديم تقارير سنوية للجهات المختصة تتضمن بيانات دقيقة عن أعداد العاملين ذوي الإعاقة ونوع وظائفهم بما يساعد الدولة على متابعة التنفيذ ورصد الفجوات الوظيفية بفعالية. كما نصت مواد القانون مثل المواد 33 و35 و37 على إلزام المؤسسات بتوفير بيئة عمل مناسبة وإزالة العوائق المادية والتنظيمية لضمان المشاركة الكاملة للأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل وتكافؤ الفرص مع غيرهم.

غير أن تطبيق هذا القانون يواجه عدة تحديات أبرزها تأخر إصدار اللوائح التنفيذية المنظمة للتطبيق العملي، وغياب الحوافز الاقتصادية لأصحاب الأعمال لتشجيعهم على توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة، وارتفاع تكاليف توفير التعديلات المطلوبة في بيئة العمل، وضعف الأجهزة الرقابية المعنية بمتابعة التنفيذ، ما يجعل من الضروري الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة لتطوير آليات تنفيذ عملية وفعّالة.

في المملكة المتحدة جاء قانون Equality Act 2010 ليحظر أي شكل من أشكال التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة ويلزم أصحاب العمل بتوفير ما يُعرف بـ “التكييف المعقول”، وهو مجموعة من التعديلات في بيئة العمل التي تجعل الموظف قادرًا على أداء مهامه بكفاءة. كما أطلقت الحكومة البريطانية برنامج Access to Work الذي يقدم دعمًا ماليًا مباشرًا للشركات لتغطية تكاليف تجهيز أماكن العمل وتقديم المشورة الفنية، وقد أسهم الدمج بين الحماية القانونية والدعم المالي في رفع نسبة توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة من 46% عام 2010 إلى 54% عام 2024، ما يعكس نجاح السياسات البريطانية في الجمع بين التشريعات الصارمة والحوافز الاقتصادية المباشرة.

أما السويد فقد تبنّت نهجًا أكثر شمولًا يربط بين سياسات العمل والخدمات الاجتماعية والصحية، حيث يحظر القانون السويدي التمييز ويوفر حماية قانونية كاملة، لكنه يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بتقديم منح مالية واسعة للشركات والأفراد لتغطية تكاليف تعديل أماكن العمل وشراء الأدوات المساعدة، إلى جانب تأسيس شركة حكومية باسم Samhall توفر وظائف مدعومة وتدريبًا مهنيًا مستمرًا للأشخاص ذوي الإعاقة بهدف تأهيلهم للانتقال إلى سوق العمل المفتوح. وقد ساعد هذا النموذج على خفض فجوة التوظيف إلى أقل من 8% وهي من أدنى المعدلات عالميًا.

وفي الولايات المتحدة صدر قانون ADA 1990 ليحظر التمييز تمامًا ويُلزم المؤسسات بتوفير التعديلات اللازمة في بيئات العمل. كما أطلقت الحكومة برامج مثل Vocational Rehabilitation لتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة مهنيًا، وJob Accommodation Network الذي يقدم استشارات مجانية لأصحاب العمل حول أفضل طرق تجهيز بيئة العمل، بينما تشرف لجنة تكافؤ فرص العمل EEOC على تنفيذ القانون بنظام صارم للتقارير الدورية والرقابة المستمرة بما يضمن التزام المؤسسات بالتعديلات المطلوبة ومساءلة المخالفين بشكل واضح ومنظم.

وعند المقارنة بين هذه النماذج الثلاثة والنموذج المصري نجد أن مصر خطت خطوة مهمة بوضع إطار قانوني شامل يمنع التمييز ويوفر حماية قانونية واضحة ويمنح مزايا عملية للعاملين ذوي الإعاقة، لكن التجربة المصرية ما زالت بحاجة إلى آليات تنفيذ قوية تشمل الحوافز الاقتصادية المباشرة على غرار ما هو موجود في بريطانيا، والبرامج الاجتماعية والتأهيلية المتكاملة مثل النموذج السويدي، إضافة إلى نظم الرقابة والتقارير الصارمة التي تميزت بها التجربة الأمريكية. فنجاح أي قانون لا يعتمد فقط على النصوص القانونية مهما كانت متقدمة، بل يحتاج أيضًا إلى دعم مالي، تدريب وتأهيل مهني، وحملات توعية للمؤسسات والمجتمع، إلى جانب أنظمة رقابية قوية تضمن التطبيق الفعلي على أرض الواقع. فإذا استطاعت مصر تبني هذه الآليات التنفيذية والرقابية بجانب القانون الحالي يمكنها أن تحقق نقلة نوعية حقيقية في دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل وتحقيق المساواة الكاملة لهم بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية.

محمد ابوطالب

رئيس رابطة معاقي مصر

عضو الهيئة العليا والمكتب السياسي للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.