مقالات

  11-09-2025

المكسب الأهم لإسرائيل

لا أدري كم من الأصدقاء الذين قرأوا منشوري الصباحي بعنوان تسخين قبل زيارة ترامب استلفت نظرهم قولي إن أهم مكسب لا تريد إسرائيل تضييعه من اتفاق السلام مع مصر ليس هو خروج مصر من الصراع كما يُقال. وهذا طبعًا مكسب مهم، ولكن الأهم منه هو عدم تحدي الضمانة الأمريكية الأبدية لبقاء إسرائيل متفوقة استراتيجيًا باكتساح على كل قوى الإقليم.

صحيح أن هذه الضمانة كانت موجودة قبل اتفاق السلام، ولكن مصر كانت تسعى لتحديها أو تحديدها أو التحايل عليها بالتسلح من السوفييت ومن بعض المصادر الأخرى، خصوصًا فرنسا (تحت رئاسة خلفاء ديجول)، وبإقامة التحالفات الاستراتيجية، خصوصًا مع سوريا في المجال العسكري، ومع السعودية وبقية الخليج في استعمال النفط كرصيد استراتيجي. ثم المحاولة الشهيرة القصيرة مع العراق والأرجنتين.

وقت تلك المحاولة بالذات سألت الدكتور بطرس غالي (وكان أستاذي في كلية الاقتصاد قبل ذلك بسنوات): هل التزمت مصر كتابة في اتفاقية السلام أو التزمت شفويًا في كامب ديفيد بعدم السعي للتوازن الاستراتيجي مع إسرائيل، إن لم يكن لتحدي تفوق إسرائيل الكاسح؟
فأجابني قائلًا: إن هذه أشياء لا تُكتب ولكن تُفهم من غير كلام.

وقال لي الدكتور كمال أبو عقيلة، وكان أستاذًا مرموقًا للطب في أمريكا أيام محادثات كامب ديفيد، ومن مجموعة المصريين الذين التقوا بالرئيس السادات فور عودته إلى واشنطن من كامب ديفيد، إنهم سألوا السادات عن الضمانات التي أخذها من أمريكا مقابل التساهل (ولا أقول التنازلات) الذي أبداه من أجل إنجاح المؤتمر. فقال إن الرئيس كارتر تعهد بإبقاء مصر على قدم المساواة في التسليح مع إسرائيل: طائرة بطائرة ودبابة بدبابة.

يضيف الدكتور أبو عقيلة: إننا ابتهجنا لدى سماع هذا الكلام رغم تشككنا، وفي أول لقاء مع كارتر سألناه عن كلام السادات فنفى صحته جملة وتفصيلًا.

من المهم جدًا التأكيد هنا على نقطتين:
الأولى أن المعادلات الحالية ليست في صالحنا.
والثانية أنني لا أتهم السادات بالتفريط، وبالطبع لا أتهمه ولا أحدًا من الرؤساء بالخيانة، ولكن أرصد فقط كيف وصلنا إلى هنا. ولربما كان التفكير وقتها هو ما يسميه عبد المنعم سعيد الكمون الاستراتيجي لإعادة بناء قوة مصر (علميًا وتكنولوجيًا واقتصاديًا وسياسيًا ومجتمعيًا)، أي بناء القوى الشاملة للدولة بعيدًا عن الضغط اليومي لحالة الحرب واستنزافها للموارد والطاقات.

ولكن الكمون صار سكونًا بل ورجوعًا إلى الخلف في التعليم على وجه الخصوص، وكأن الدنيا هي الأخرى سيتراجع بعضها ويبقى البعض الآخر مثلنا ساكنًا.

عبد العظيم حماد

رئيس التحرير الأسبق لصحيفة الأهرام

رئيس مجلس أمناء الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.