مقالات

  02-08-2025

هل نعطي الشرعية؟ أم ننتزع المساحة؟

ندرك تمامًا حجم التساؤلات – بل والشكوك أحيانًا – التي أحاطت بقرار حزبنا الدخول في قائمة انتخابية تضم أحزابًا تختلف معنا في المواقف والتوجهات، بل في طبيعة العلاقة مع السلطة. وندرك أيضًا أن البعض رأى في هذا القرار خروجًا عن خط المعارضة الديمقراطية، أو تراجعًا عن مبادئ نؤمن بها. لكن الحقيقة أن المواقف السياسية لا تُقاس دومًا بوضوح الشعارات، بل بحجم التعقيد الذي نواجهه على أرض الواقع، وبقدرتنا على اتخاذ قرارات تحفظ حضورنا وتأثيرنا، حتى في ظروف بالغة الصعوبة.

إننا لا نخفي رأينا، ولا نجامل أحدًا، الانتخابات في مصر تفتقد إلى معايير النزاهة والعدالة، والنظام الانتخابي القائم – وخاصة نظام القائمة المطلقة – لا يتيح تنافسًا حقيقيًا، بل يفرز تمثيلًا مُسبق التحديد، يُختار بالتفاوض أكثر مما يُنتخب بإرادة الناس. قلنا ذلك بوضوح مرارًا، وسنواصل قولها من داخل البرلمان وخارجه.

ومع ذلك، فقد شاركنا في الانتخابات الماضية منذ خمس سنوات، في ظل نفس القانون ونفس الظروف، ونجح عدد من نوابنا الذين قدموا أداءً مشرفًا، وتبنوا مواقف معارضة بجرأة، وتجاوزوا في ممارساتهم السقف المتاح، فكانوا صوتًا حقيقيًا لمبادئنا داخل المجلس. هذه التجربة تؤكد أن حتى في ظل القيود، يمكن للنواب المخلصين أن يحدثوا فرقًا. ولقد سبق لنا أن تناولنا في مقالة سابقة (المشاركة أم المقاطعة؟) أن المقاطعة قد تكون موقفًا مشروعًا عندما تُسَدُّ السُبُل، لكن المشاركة أيضًا ليست خيانة، بل قد تكون أداة مقاومة ذكية عندما نحسن إدارتها.

ندرك أننا لا نخوض انتخابات حقيقية، لكننا أيضًا نرفض أن نُسلِّم البلد لمن لا يشاركوننا الرؤية، ولا يهتمون بقضايا الحرية والعدالة الاجتماعية ودولة القانون. إن بقاء صوتنا – ولو في مساحة محدودة – ضرورة لا تنازل عنها. لأننا نؤمن أن المعركة يمكن أن تُخاض حتى من داخل برلمان لا يعبر كليًا عن الشعب. فنحن لسنا متواطئين، ولسنا ملحقًا بأحد، ولسنا شهود زور. نحن خصوم حقيقيون للاستبداد، نحاول أن نُبقي نوافذ العمل السياسي مفتوحة في وجه الإغلاق الكامل، ونعلم أن هذا الطريق محفوف بالتشكيك وسوء الفهم. لكننا اخترناه عن وعي، لا عن ضعف. اخترناه لأن البديل هو الغياب التام، ولأن التاريخ علّمنا أن أحيانًا الصوت المعارض الوحيد في مكان مغلق، قد يوقظ ضميرًا، أو يُلهم جيلًا، أو يُمهّد لتغيير.

لذلك، فإننا نطلب من أنصار الديمقراطية أن يُقيّموا أداءنا لا نوايانا فقط، وأن يُحاسبونا على ما سنفعله داخل البرلمان، لا على خارطة التحالفات التي فُرضت بفعل نظام انتخابي مُعطّل منذ البداية. نحن لسنا متفائلين بشكل مُبالغ فيه، لكننا لسنا يائسين. ونعلم أن الحفاظ على الحضور السياسي، ولو الرمزي، هو في ذاته مقاومة، ورفضٌ للطمس والتغييب.

م/باسم كامل

الأمين العام للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي

المنسق العام للتحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي

نشر المقال على موقع 60 دقيقة نيوز الأحد 13 يوليو 2025

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.