مقالات

  08-08-2020

هل التحالف الانتخابي مع حكومة نعارض سياساتها يتفق مع مبادئ الديمقراطية الاجتماعية؟

عندما نواجه في العمل السياسي بالفساد أو الاستبداد أو كليهما ماذا نفعل؟ وهل يمكن تحقيق ديمقراطية حقيقية أي حكم الشعب لنفسه بنفسه في ظل نظام اقتصادي رأسمالي، سيلعب فيه المال دورا رئيسيا في الدعاية الانتخابية بل وحتى في الرشاوى الانتخابية (الكراتين والبطاطين)؟

ما هو الطريق لينضم أكبر عدد من الجماهير للعملية السياسية وينظمون أنفسهم بصورة تسمح باشتراك أوسع للمواطن العادي في إدارة شؤون بلاده بل وشؤون حياته اليومية؟

كيف نتجاوز الدور المهيمن للقادة الدينيين والقادة الأمنيين والعسكريين في إدارة شؤوون البلاد نحو فرص متساوية لكل مواطن في الاشتراك في العمليات السياسية بكل مستوياتها؟

هذه الأسئلة ليست مجرد أسئلة نظرية بل هي جوهر المعضلة التي تواجهها بلادنا منذ ما قبل ثورة يناير 2011 إلى اليوم، وهي الأسئلة التي بسبب غياب إجابات فعالة لها تمت سرقة الثورة بواسطة التيار الديني الرجعي ثم بعد موجة ثورية ثانية في 2013 برزت شعارات "الدولة القوية" والدور المهيمن للأجهزة السيادية لتفادي الفوضى واستقبلها كثيرون كأنها الحل الوحيد المنقذ

أسس المنهج الديمقراطي الاجتماعي:

هل نحن نأمل في ظل تحالف رأس المال مع السلطة الدينية والأمنية أن تتحقق ديمقراطية حقيقية؟

الإجابة واضحة: لا

لكن كيف نصل إلى تمكين المواطن العادي الباحث عن لقمة العيش والمتخوف من الملاحقة الأمنية لأن يشارك في عملية سياسية تؤدي إلى أن تكون السلطة فعلا في يد الشعب لا في يد نخبة اقتصادية أو عسكرية أو دينية أو حتى نخبة "الطليعة الثورية"؟

الديمقراطيون الاجتماعيون يترفعون عن إخفاء مقاصدهم، كما يترفعون عن إخفاء سبيلهم لتحقيق هذه المقاصد، أي نظام حكم في ظل النظام الاقتصادي الرأسمالي هو بطبيعته وفي جوهره فاسد، والرأسمالية ستتحالف مع المؤسسات الدينية والقيادات الأمنية والعسكرية للحفاظ على الشعب مجرد من القوة والوعي والقدرة على الاختيار.

لكن إسقاط النظام الفاسد بضربة ثورية سواء كانت عنيفة (لينين، تروتسكي، ستالين) أو سلمية (روزا لوكسمبرج) سيؤدي بالضرورة إما إلى الفوضى ثم حكم شبه ديني شبه عسكري (ثورة البرتغال في 1911 وثورة مصر في 2011) أو إلى استبداد النخبة الثورية على حساب حريات الشعب وقوته (الثورة الروسية والصينية والكوبية)

الطريق الذي يكاد يكون الوحيد الثابت تاريخيا لسقوط الاستبداد بكافة أنواعه والفساد بكافة أشكاله هو إصلاح النظم الفاسدة من داخلها (دول اسكندنافيا كلها، الثورة القرنفلية في البرتغال، التحول الديمقراطي في أسبانيا، وحتى سقوط الاستبداد السوفيتي). ويظل في كل الأحوال النضال الإنساني نحو المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية مستمر حتى في هذه البلاد.

سنوات تحديد الأسس النظرية للتوجهات السياسية السائدة حتى اليوم كانت في أوائل القرن العشرين، حيث هاجمت روزا لوكسمبورج في ألمانيا "مراجعات" ادور برنشتاين الذي أعلن أن نبوءات ماركس المتعلقة بسقوط النظام الرأسمالي لم ولن تتحقق بسبب المرونة العالية لهذا النظام، وأن النظام الرأسمالي مستعد لتقديم مكاسب جزئية للكادحين ليضمن استقرار وحسن سير عملياته الإنتاجية.

ومن ثم قال برنشتاين أن السبيل لنظام العدالة والمساواة والحرية الحقيقية سيبزغ من خلال الإصلاح التدريجي للنظام الحالي لا من خلال العمل الثوري، السبيل هو المشاركة الفعالة في إصلاح هذا النظام من داخله تدريجيا بالضغط الحثيث طويل النفس من أجل حقوق الكادحين لا إسقاط الاستبداد بضربة ثورية واحدة.

. لوكسمبرج مع تمسكها بسلمية الثورة رفضت أطروحات برنشتاين واتهمته بأفظع الاتهامات، ونادت بثورة شعبية سلمية تسقط النظم المستبدة وتقيم سلطة الشعب. ولذا عارضت لوكسمبرج "العنف الثوري" لثورة البلاشفة في 2017 وحاولت السفر للقاء "الرفاق" في موسكو لكنها وقعت في يد قوات الثورة المضادة الذين عرضوها لصنوف تعذيب بشعة ثم قتلوها

ومن جهة أخرى هاجم لينين الروسي بضراوة كارل كاوتسكي الذي أسماه لينين "كاوتسكي المرتد"، لأن كاوتسكي رفض أساليب لينين وتروتسكي التحريضية ونادى بتنظيم الكادحين والإصلاح التدريجي.

واليوم بعد سنوات من استيلاء تروتسكي ولينين على السلطة ثم تحولها ليد ستالين الذي صفى كل أعضاء المكتب السياسي البلشفي وكل قادة الثورة، ثم تدهور حال الشعب السوفيتي وسقوطه تحت استبداد منافقي السلطة باسم "الطليعة الثورية" بل وتحول كل النظم الثورية لا إلى "استبداد الكادحين (البروايتاريا)" بل إلى استبداد "على الكادحين" ، من أول الصين حتى كوبا، بينما حقق الكادحون تقدم حقيقي في ظروف معيشتهم وفي اشتراكهم في إدارة شؤون بلادهم في السويد والنرويج والدنمارك وفنلندا وبصورة أقل في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، كديمقراطيين اجتماعيين نرى اليوم بلا مواربة أن برنشتاين وكاوتسكي كانا على حق.

يُرجع كثيرون تشرذم القوى المدنية الديمقراطية بعد 2011 إلى اليوم، إلى المصالح الشخصية والسعي للمناصب والمكانة ...الخ، ومن داخل هذه الحركة ومن مطابخها أقول لم تكن هذه هي المشكلة بل المشكلة كانت ولاتزال فيما أسميه "الترفع الثوري"، شعارات مثل: "الثورة في الميدان مش في البرلمان"، لن نؤسس أحزابا في ظل دستور مبارك المعدل، كيف ننزل انتخابات مع ما يحدث من قمع مظاهرات مجلس الوزراء، الخ. والأكثر كارثية كيف أتحالف مع هذا "الهجاص" أو هذا "الانتهازي" أو هذا "المتآمر الخبيث" او هذا الذي تحالف انتخابيا مع هذا او ذاك.

احتفظ الكثيرون منا بإحساس النقاء والترفع الثوري لكننا فشلنا في بناء جبهة مدنية ديمقراطية واسعة، لم نؤسس جبهة واحدة تحوي كل من لا يرغب في حكم على خلفية دينية ولا على خلفية عسكرية،جبهة تصلح نفسها بآليات ديمقراطية وتتطور مع تطور وعي الجماهير الحقيقي.

الإحساس أن "نقائي الثمين" يمنعني من الخوض السلمي الشرعي في "مستنقع" السياسة حتى يتطهر هذا المستنقع "بقدرة قادر" ويتغير النظام الفاسد إلى صالح بنفس "قدرة القادر" هو من قبيل الأحلام الوردية.

واليوم صرنا أمام ثلاث خيارات:

- الانزواء المترفع حتى تحين اللحظة الثورية فتتحرك الجماهير وتسقط الاستبداد والفساد،وقتها ماذا نتوقع ؟

أرى أننا سنفشل مرة ثانية كما حدث في 2011 ثم 2013

- العمل السري الثوري للاطاحة بالنظام مما سيلد بالضرورة - اذا نجح- نظام شبيه بالنظام

السوفييتي أو الصيني أو حتى الكوبي.

- نخوض في المستنقع الحالي لتطهيره بمثابرة وتماسك حتى يجد الشعب بديلا سلميا شرعيا وينظم نفسه من خلال التنوير السياسي الاجتماعي ، حتى لو كان هذا التنوير من ثقب إبرة.

الخيار الثالث هو الخيار الديمقراطي الاجتماعي.

د.ايهاب الخراط
نائب رئيس الحزب للشؤون التشريعية والبرلمانية

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.