27-09-2025
أثار حديثنا السابق حول تفكيك الشخصية المصرية حالة واسعة من الجدل، تجاوزت تأييد الفكرة أو رفضها، إلى نقاش أعمق حول توقيت هذا التحول الكبير في تركيبة المواطن المصري.
هل بدأ التفكك مع انفتاح السوق وتراجع الدولة؟
أم أنه بدأ مبكرًا مع ميلاد الجمهورية سنة 1952، حين تغيّر شكل الحكم والعلاقة بين المواطن والسلطة؟
اللافت أن أغلب الأطراف لم تكن تنكر وجود الخلل،
لكن كل فريق حاول أن يُسقطه على لحظة بعينها أو نظام بعينه،
وكأن التدهور لم يكن مسارًا ممتدًا بل خطأً عابرًا.
وفي محاولة للفهم لا للمحاسبة، سنعيد هنا قراءة المشهد من زاوية التحولات التي مرّت بها الشخصية المصرية:
كيف كانت؟
وماذا أصابها؟
ولماذا وصلنا إلى هذه الحالة من العزلة والانكفاء وفقدان المعنى؟
*من الجماعة إلى الدولة*
قبل 1952، كانت الدولة ضعيفة لكن المجتمع قوي.
تشكلت شخصية المواطن داخل إطار العائلة، والدين، والمهنة، والقرية أو المدينة.
كان هناك فقر واحتلال، نعم، لكن كانت هناك أيضًا قيم مستقرة: الاحترام، الانتماء، التضامن، والجدعنة.
*من الدولة الراعية إلى الدولة المتحكّمة*
مع ثورة يوليو، تدخلت الدولة في كل شيء:
التعليم، الصحة، الوظائف، وحتى التفكير.
وُلد مشروع العدالة الاجتماعية، لكن على حساب التعدد، والمبادرة الفردية، والحرية السياسية.
صار المواطن معتمدًا على الدولة لا على نفسه،
وتشكلت شخصية “الموظف المطيع” بدلًا من “الإنسان الفاعل”.
*من الانفتاح إلى الانفلات*
جاء السادات حاملاً وعود التحرر والانفتاح،
لكن ما حدث على الأرض كان تخلي الدولة عن أدوارها لصالح رأس المال،
وصعود مفاجئ لقيم السوق بدلًا من قيم المجتمع.
تحوّلت “الفهلوة” إلى ذكاء،
و”الواسطة” إلى حق مشروع،
و”النجاة الفردية” إلى فلسفة حياة.
تراجعت شخصية المواطن الحالم، وظهر مكانها إنسان يائس،
يبحث عن فرصة، لا عن معنى.
*من الإدارة إلى التهميش*
في عهد مبارك، أصبحت الدولة تكتفي بتدوير العجلة.
لا مشروع… لا تغيير… لا إصلاح.
وبين المحسوبية والإعلام الاستهلاكي والتعليم الضعيف،
ضاع الإحساس بالكرامة، بالجدوى، وبأن الغد أفضل.
*من الثورة إلى الارتباك*
جاءت 2011 كصرخة في وجه التراكم،
لكنها لم تثمر حلمًا واضحًا،
بل جلبت معها انقسامًا جديدًا،
ضاع فيه الإنسان بين الاستقطاب، والإحباط، والانكماش على الذات.
*ما لا نريد أن نراه*
لا يمكن تلخيص ما حدث في جملة واحدة.
وليس المطلوب محاكمة أي عصر،
لكن ما لا يمكن إنكاره أن الشخصية المصرية تهشّمت بالتدريج، بفعل سياسات ومناخات، لا بسبب طبع أصيل أو مؤامرة غامضة.
واليوم، إذا كنا نبحث عن استقرار حقيقي،
فلن نجده إلا إذا بدأنا من ترميم هذا الإنسان:
بأن نُعيد إليه الإيمان بنفسه،
ونُعيد له الثقة في أن صوته مهم،
وأن الدولة تراه وتحترمه، لا تستغله أو تهمله.
هذا هو الطريق الأصعب… لكنه الطريق الوحيد.
ويبقى السؤال المُلح:
هل لدى النظام الحالي الرغبة والإرادة في التغيير وبدء هذا الطريق؟
أم أنه سيواصل السير في نفس المسار… حيث تتآكل الثقة، ويزداد الانكفاء، وتبتعد الدولة أكثر عن الناس؟
الإجابة عن تلك التساؤلات ليست عندنا…
بل لدى من بيده القرار.
أما نحن… فسنشهد، ونكتب، ويحكم التاريخ
إيهاب أبو سريع
أمين الهيئة العليا للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي
تم نشر المقال على موقع السلطة الرابعة في 16 أغسطس 2025
كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي
تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.