مقالات

  03-07-2019

د.محمد السمادوني يكتب:الغارمات والخطورة الإجرامية

الإفراج عن الغارمات وهن المحبوسات لعجزهن عن دفع ديون بسيطة نظير سلعا تم شراؤها بالتقسيط أو قرض عجزن عن سداده ، هو إجراء ينتمى الى فصيلة التدخل بالمسكنات والبنج والكورتيزون لتسكين الألم دون بحث وعلاج مصدر هذا الوجع ، فالافراج عن الغارمات - مع سمو مقصده - هو إجراء سطحي ، مثله مثل توزيع الطعام على الجوعى دون التفكير فى توفير فرصة عمل شريفة تدر على المواطن ربحا يأكل منه ، دون ان نعوده على أننا ننقسم إلى محسن ومحسن إليه ، إلى عبد وسيد ، إلى غنى وفقير ، مع ان النظر السليم يهدف دائما إلى أن تكون من مقاصد الدولة ان يتحول المواطن الفقير الى مواطن مستور او مواطن يستطيع ان يحقق الاكتفاء الذاتى غير محتاج أن يمد يده لتلقي المساعدات المالية او الطعام .

طيب . لماذا يصدر القضاء قراره بالحبس فى مثل هذه الأحوال والحبس عقوبة لمواجهة الخطورة الإجرامية لدى المحكوم عليه بالحبس وليست إجراءا انتقاميا من امرأة عجزت عن سداد أقساط ثلاجة مثلا قامت بشرائها لبيتها او لاكمال جهاز ابنتها حال زواجها .

فالمشرع عاقب على الأفعال لانها تشكل جرائم أصلا ،سواء كانت جنايات او مادونها من جنح ،وليس العكس صحيحا بمعنى ان المشرع قد جرمها لأنه يجب فرض عقاب لها .

فالقانون الجنائي يركز على بيان الأفعال المجرمة أولا ، وعلى الجريمة بمبادئها ، ثم يعقب ذلك ببيان العقوبات الخاصة بها .

والتدابير الاحترازية هى الوجه الاخر للعقوبة . ويمكن اللجوء اليها فى حالة الغارمات .

ان القانون الذى يرصد عقوبة لكل جريمة اصطلح عل تسميته droit criminel بمعنى القانون الجنائي ، وان كان البعض يستخدم اصطلاح droit penal بمعنى القانون العقابي او الجزائي، ونحن نميل الى الاصطلاح الأول باعتباره شاملا اكثر لكل الموضوعات التى تتعلق بهذا الفرع من فروع القانون .

إن القانون الجنائي بشقيه الموضوعي والإجرائي،أى العقوبات والإجراءات الجنائية ، يعتبر فرعا من فروع القانون العام لأنه قانون يهدف دائما إلى حماية المصالح العامة ، حتى وانه فى حالة حماية المصالح الشخصية للأفراد ،مثل تجريم الاعتداء على اموالهم او سلامة أجسامهم فهو يحمي أيضا ،بجانب حمايته للمصلحة الخاصة ، مصلحة عامة تتمثل فى حماية حق المجتمع فى الحفاظ على أموال افراده وسلامتهم ، وأن الذى يتولى العقاب هو سلطة عامة خولها المشرع هذا الحق ، فالسلطة القضائية هى التى تطبق العقوبة ، والسلطة التنفيذية ممثلة فى الإدارة العقابية هى التى تتولى تنفيذ العقوبة .

فكيف تأتى الدولة بعد ان أدخلت الغارمات فى دائرة الآله الجهنمية للقانون ،فتفرج عن الغارمات؟

أليس الأولى أن تضع الدولة حلا جذريا لهذا الموضوع طالما انها قد رأت أن هذه الفئة من فئات المجتمع قد حاق بها الظلم ؟

أليس هناك تدبيرا إحترازيا تقرره الدولة بديلا للحبس ، ومصادرة الحرية للغارمات جزاء جرائم بسيطة لا تعبر عن وجود خطورة اجرامية لدى الشخص المحكوم عليه ؟

ان الغارمة دخلت فى مصيدة الحبس بطريق المصادفة وليس لديها نزوع إجرامى حقيقى كالشخص الذى اعتاد السرقة او قطع الطريق ، فلا يجوز ان يعالج سلوكها الذى قام على الصدفة ودون ارادة إجرامية بنفس آلية معالجة الشخص عتى الإجرام

د.محمد السمادوني

أمين الشؤون التشريعية بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.