10-09-2025
في العقود الأخيرة، تغيّرت ملامح الشخصية المصرية بشكل لم يعد يخفى على أحد.
لم تعد الصورة التقليدية للمواطن المصري—الواعي، الجدع، المسؤول، المحب لبلده—حاضرة كما كانت.
تبدّلت القيم، وتشوّهت المفاهيم، وتراجع الإحساس بالواجب والانتماء.
هذا التحوّل لم يكن عفويًا، ولا مجرد نتيجة لضغوط اقتصادية أو اجتماعية،
بل كان جزءًا من مسار سياسي واقتصادي مدروس، بدأ منذ لحظة الانفتاح في نهاية السبعينيات، واستمر بتراكمات متعاقبة، حتى تفككت العلاقة بين المواطن ودولته… وتفككت الشخصية نفسها.
من دولة الشراكة… إلى سلطة الغياب
في السابق، كانت الدولة حاضرة في حياة الناس من باب الحماية والرعاية.
كان التعليم العام هو بوابة الصعود، وكانت المستشفيات الحكومية ملاذًا آمنًا، وكان للمعلم والطبيب والموظف احترامهم الطبيعي.
لكن مع بداية الانفتاح، تغيّر كل شيء:
• دخل رأس المال إلى السياسة.
• أصبح رجل الأعمال نائبًا ووزيرًا وإعلاميًا ومشرّعًا في آن واحد.
• تغيّر خطاب الدولة من “الناس أولًا” إلى “السوق أولًا”.
وبتدريج محسوب، رفعت الدولة يدها عن التعليم والصحة والخدمات الأساسية،
فانهارت الثقة في المدرسة الحكومية، وفقد المواطن الأمل في المستشفى العام،
وبات من يملك فقط هو من يضمن تعليمًا لابنه، أو علاجًا لأمه.
من الكفاءة إلى الفهلوة
في ظل هذا التحوّل، تراجعت قيمة الجد والاجتهاد،
وظهرت مكانها ثقافة الفهلوة والواسطة وتربيطات المصالح.
لم يعد المجتهد هو من يتقدّم، بل من يعرف من… أو يدفع لمن.
حتى في الإعلام، تغيّرت القدوة:
اختفى العالِم والمجتهد، وظهر المؤثر والمهرج والمتسلق.
وهكذا، تآكلت صورة الإنسان المصري المتزن الطامح،
وحلّ محلها نموذج المواطن المنشغل بالنجاة الفردية، لا بالإصلاح الجماعي.
تفكيك الضمير… وتشويه القيم
حين تختلط المعايير، يصبح من الصعب أن تميّز بين الصواب والخطأ.
وهذا بالضبط ما حدث.
تم خلخلة البوصلة الأخلاقية والدينية لدى المواطن،
حتى صار الحرام مسألة رأي، والغش مبرر، والرشوة ضرورة “علشان الدنيا تمشي”.
الدين نفسه لم يسلم،
فقد تم اختزاله في المظاهر، بدلًا من أن يبقى سلوكًا وقيمة.
المواطن وحده في الميدان
بالتوازي، جرى تفريغ المجال العام من كل أشكال التنظيم الجماعي:
النقابات ضعُفت، الأحزاب صُفّيت، المجتمع المدني قُيّد، وحتى علاقات الجيرة والحي تفككت.
صار المواطن يتحرك وحده، ويواجه الأزمات وحده،
ويخشى حتى أن يحلم… لأنه لا يرى ظهرًا يحميه.
السلطة ليست بريئة… لكنها لا تزال تملك القرار
ما حدث لم يكن مسؤولية النظام الحالي وحده،
لكنه الوريث المباشر لهذه التراكمات،
وهو وحده القادر اليوم على أن يُعلن:
نعم، نحن بحاجة لإصلاح جذري يبدأ من الإنسان… لا من الطرق والكباري فقط.
من أين يبدأ الإصلاح؟
إذا أرادت الدولة أن تستعيد ثقة المواطن، فعليها أن تبدأ بخطوات واضحة وملموسة:
• خطة مدروسة لإحياء المدرسة الحكومية في المناطق الأكثر احتياجًا.
• تحويل مستشفى حكومي في كل محافظة إلى نموذج يُحتذى به في الرعاية والاحترام.
• إعادة الاعتبار للكفاءة داخل الجهاز الإداري بدلًا من المحاباة والتوريث الوظيفي.
• إطلاق منصات حوار مجتمعي حقيقي، تُدار بشفافية وتضم ممثلين عن النقابات والجامعات والشباب والمجتمع المدني.
من يشارك في الإصلاح؟
لا إصلاح بلا شراكة،
وإذا كانت الدولة جادة، فعليها أن تفتح الباب لتحالف وطني مدني واسع، يضم:
• نقابات حرة
• مراكز فكر مستقلة
• إعلام تنويري
• شباب مؤمن بالتغيير السلمي
• ومجتمع مدني قادر على الحركة والبناء
الخلاصة: استعادة الإنسان = استعادة الدولة
إذا أردنا بناء دولة مستقرة بحق، فعلينا أن نبدأ من المواطن،
من استعادة ثقته، واحترام عقله، وتمكينه من الحلم والعمل.
فالإنسان هو الاستثمار الحقيقي،
وما لم نستعد الشخصية المصرية… فلن نستعيد مصر كما نحب أن نراها .
إيهاب أبو سريع
أمين الهيئة العليا للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي
تم نشر المقال على موقع السلطة الرابعة في 2 أغسطس 2025
كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي
تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.