مقالات

  16-07-2025

المرأة في السباق الانتخابي.. مسؤولية الصوت لا عاطفة النوع

المرأة التي تقرر خوض السباق الانتخابي لا تتجه نحو ساحة تنافس متكافئة، بل تقتحم مجالًا احتكره الرجل، كغيره من المجالات، عهودًا طويلة، وهي بذلك تحمل على كتفيها أعباءً مضاعفة.
تخضع لنظرة فاحصة متحيزة، تُساءل فيها عن كل شيء: من طموحها إلى مظهرها، ومن كفاءتها إلى اختياراتها الخاصة.

هذا بالإضافة للمعوقات الأخرى التي يشترك فيها المرشحون جميعًا، رجالًا ونساءً، مثل عوار النظام الانتخابي وعدم توازن تقسيم الدوائر، واستخدام المال السياسي والنفوذ العائلي أو القبلي، بالإضافة لضعف الحياة الحزبية ما يجعل دعم الأحزاب لمرشحيها محدود الأثر، كما أن غياب التنافس الحزبي الحقيقي، وتراجع الاهتمام بالشأن العام، يدفع قطاعات واسعة من الناخبين إلى اختيار الأفراد بناءً على اعتبارات شخصية أو محلية، لا على أساس البرامج أو المواقف السياسية، بالإضافة لضعف الاهتمام وضعف الثقة في العملية الانتخابية بل وجدوى المشاركة السياسية من الأساس.

وفوق هذه العقبات المشتركة، تواجه النساء تحديات إضافية لكونهن نساء، ما يجعل كل خطوة نحو الترشح معركة أخرى وتحد جديد يضاف للتحديات السابقة يتمثل في الاعتراف بحق المرأة في الوجود السياسي، والمنافسة العلنية، وصناعة القرار.

رغم ذلك، لا أرى -ولا ينبغي أن نرى- أن تكون هذه الصعوبات، بكل قسوتها، ذريعة تجعل المرأة تطالب الناخبات بدعمها أو التحيز لها فقط لكونها امرأة، فالإنصاف لا يعني تبديل مواقع التحيّز، بل يقتضي إزالة التحيّز من أساسه.

العدالة لا تعني استبدال التحيّز ضد النساء بتحيّز لهن، بل تعني بناء معايير موضوعية تُطبَّق على الجميع. لا يصح أن نطالب الناخبات بمنح أصواتهن للمرشحات لمجرد أنهن نساء، تمامًا كما لا نقبل إقصاء المرأة لهذا السبب.
فالتمثيل السياسي لا ينبغي أن يقوم على النوع وحده، بل على الكفاءة والقدرة والرؤية الواضحة.

فبعض المرشحات، رغم انتمائهن لقضية عادلة، قد يفتقرن إلى البرامج الجادة أو يتبنين مواقف تعيد إنتاج ما نسعى لتجاوزه. ودعمهن بدافع التضامن الجندري فقط لن يخدم الهدف، بل قد يضر بالقضية نفسها، حين يتحوّل التمثيل إلى واجهة شكلية لا تغيّر شيئًا في جوهر السياسات أو في واقع الناس.

الصوت الانتخابي مسؤولية، والانتماء إلى نوع اجتماعي لا يصنع استحقاقًا سياسيًا تلقائيًا.

التمثيل الحقيقي لا يعني مجرد وجود امرأة على المنصة، بل وجود امرأة تمثل بالفعل قضايا الناس، تملك رؤية واضحة، وتتمتع بالقدرة والجرأة على اتخاذ القرار، وتملك الشجاعة للانحياز لما تؤمن به، لا لما يُملى عليها.

أما التمثيل الشكلي، فضرره لا يقل عن الإقصاء، لأنه يمنح شرعية زائفة لواقع لم يتغير، ويحوّل المرأة في دوائر صنع القرار إلى حضور رمزي لا يتجاوز اسمها أو صورتها، بصرف النظر عن مواقفها أو أدائها.

التحدي الحقيقي هو أن تنظر المرأة الناخبة -كما الرجل- إلى المرشحين بعين ناقدة، عادلة، وواعية. أن تُدرك حجم العراقيل التي تواجه النساء، دون أن تغض الطرف عن ضعف الأداء أو ضبابية المواقف. نحن نريد نساءً في مواقع القرار، نعم، لكننا نريدهن مؤهلات، قادرات، وممثلات حقيقيات لأصوات الناس وهمومهم.

وإذا كان المجتمع ما يزال يضع عشرات الحواجز أمام المرأة، فإن التصويت الواعي -لا التحيز الأعمى- هو السبيل الأكثر صدقًا لكسر تلك الحواجز، واحدة تلو الأخرى.

ليس المطلوب من المرأة الناخبة أن تصوّت للمرأة، بل أن تفكر وتُقيّم وتُحاسب. فدعم النساء المؤهلات هو فعل سياسي ناضج، لا موقف عاطفي، والمساءلة لا تُضعف التضامن، بل تمنحه معناه الحقيقي وقيمته.

بهذا فقط نبني سياسة عادلة لا تحابي ولا تُقصي، بل تفتح المجال لمن يستحق، أيًا كان جنسه أو خلفيته، ما دام مؤمنًا بحق الناس في أن يكون لهم تمثيل حقيقي، ويسعى بصدق إلى التغيير.

منى شماخ

كاتبة

أمين إعلام الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي

نشر المقال بموقع "فكر تاني" بتاريخ 28 يونيو 2025

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.