مقالات

  22-01-2024

المحليات بين مفاهيم الإدارة ومفاهيم التنمية

مرت عمليات التنمية المحلية في مصر بسلسلة من التطورات على مستويين، المستوى الأول يعبر عن تطورات على مستوى مفاهيم إدارة العمل المحلي، حيث تدرجت من مفهوم الإدارة المحلية، لمفهوم الحکم المحلي لمفهوم اللامرکزية، وأخيراً إلى مفهوم الحوکمة المحلية .

أما المستوى الثاني؛ فقد ارتبط بتطورات على صعيد مفاهيم التنمية المحلية، والتي تدرجت في بداية الأمر من مفاهيم للتنمية الريفية، إلى مفاهيم للتنمية الريفية المتکاملة، ثم مفاهيم للتنمية المحلية، والتنمية المحلية المستدامة ، إلى مفاهيم للتنمية الاقتصادية المحلية ، وأخيراً مفهوم النمو الاحتوائي المحلي .

وبالربط بين التطورات على صعيد مفاهيم إدارة العمل المحلي من جانب، ومفاهيم التنمية المحلية من جانب آخر، يتضح أن أکثر المفاهيم ارتباطاً بأحدث مفاهيم التنمية المحلية، هو مفهوم الحوکمة المحلية، والذي يتمتع بأبعاد ومساحة لدمج التفاعلات المحلية الرسمية وغير الرسمية في سياق متسع، بما يساعد على احداث نقلة تنموية على المستوى المحلي.

فالتنمية المحلية المرتبطة بمصطلح الإدارة المحلية، تقصر دور عمليات التنمية المحلية على أدواتها المرکزية، والتنمية المرتبطة بمفاهيم الحکم المحلي، واللامرکزية ترتبط بعمليات إعادة توزيع الثروات بين الحکومة المرکزية والحکومات المحلية، مع دعم مشارکة المواطن في إطار عمليات التنمية، أما التنمية المحلية المرتبطة بمفهوم الحوکمة المحلية، هي تلک العملية التشارکية التي تتسع فيها عمليات التفاعل والتکامل بين أدوار الوحدات المحلية الممکنة والمدارة لامرکزياً وبين الأدوار التفاعلية للمجتمع المدني، والقطاع الخاص، والمواطن المحلي، بما يساهم في ارساء کفاءة وفعالية عمليات التنمية، وزيادة طاقات الاستجابة لاحتياجات المواطن المحلي، مما يولد مزيداً من قبول المواطن المحلي لسلطة من يمارسون القوة على المستوى المحلي وفقاً لقواعد، وعمليات، واجراءات مقبولة، ومستندة على أسس من العدالة وحکم القانون.

ولقد استطاع مفهوم الحوکمة المحلية فك الصراعات والمواجهات الفکرية التي سيطرت على أدبيات التنمية عبر الفترات التاريخية المختلفة، وذلک من خلال تأکيده على دعائم ثلاثة لعمليات التنمية المحلية، والتي تجسدت في اللامرکزية، والديمقراطية، وفکر السوق، وذلک بعد احتدام الصراع بين ثلاثة نماذج ومواجهات تنموية، تجسدت المواجهة الأولى بين النموذجين المرکزي واللامرکزي للتنمية المحلية، والمواجهة الثانية بين النموذجين الديمقراطي والفردي للتنمية المحلية، والمواجهة الثالثة بين نموذج القطاع العام ونموذج السوق. والواقع أن النماذج الثلاثة السابقة لا تعبر عن نماذج منفصلة، وإنما هي نماذج متداخلة.

لقد أصبح فکر الحوکمة يتکون من ثلاث دعامات أساسية، تجسدت الدعامة الأولى في الشق السياسي، بسيطرة الأفکار الديمقراطية سواء على المستويات القومية أو المحلية، وتجسدت الدعامة الثانية في الاقتصاد، والتي ترتبط بعملية التحول من تنمية معتمدة على القطاع العام إلى سيطرة آليات السوق، وتجسدت الدعامة الثالثة، في الإدارة، المتمثلة في التحول من الفکر المرکزي للفکر اللامرکزي. ومن هنا ظهر مفهوم الحوکمة المحلية برکائزه الثلاثة کتعبير عن مفهوم بديل لإدارة عمليات التنمية المحلية يختلف عن مفاهيم الإدارة المحلية والحکم المحلي.

وحينما نطالب بقانون جديد للإدارة المحلية علينا أن نسأل أنفسنا هل نريد قانونا للإدارة في الشأن المحلى أم نطالب بقانون لإدارة التنمية المحلية ، أم يجب أن نبحث عن بديل ثالث يدمج مفاهيم الإدارة المحلية بمفاهيم التنمية المحلية .

                                                

    د. آمال سيد

خبير الإدارة المحلية

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.