مقالات

  18-04-2024

الحوكمة المحلية ودورها في دفع عجلة الديمقراطية

سبق أن أوضحنا في مقالين سابقين أن الحوكمة هي أفضل سبيل لتحقيق التنمية المحلية، ثم أوضحنا أن مفهوم الحوكمة يقوم على ثلاثة دعائم وهي: دعامة الديمقراطية وتتمثل في التوسع في المشاركة في اتخاذ القرار، والاقتصادية وتتمثل في تنمية الاقتصاد المحلى القائم على شروط السوق الحر، والإدارية والمتمثل في دعم اللامركزية، وسوف نوضح في هذا المقال كيف يمكن لمفهوم الحوكمة أن يفعل وينشط من الحركة الديمقراطية في المجتمع المحلى.

تتم عملية المشاركة في اتخاذ القرار في ظل مجموعة من العمليات الاجتماعية التفاعلية وهي: المساءلة، وشفافية تداول المعلومات، والعدالة والشمولية، والكفاءة والفاعلية، حيث يعمل تطبيق الحوکمة المحلية على المساهمة في ازالة التعارض بين السلطة وحرية التعبير عن الرأي، وذلك بما يتيحه ذلك النظام من فرصة أکبر للمشارکة في إدارة الشئون العامة على المستوى المحلي.

وتعد المساءلة أحد محاور الرابطة بين الحوکمة المحلية والديمقراطية، حيث تعتبر المساءلة احدى ضمانات التطبيق الفعال للحوکمة المحلية، فالتحول نحو الحوکمة المحلية دون مساءلة يؤدى لمزيد من الفساد على المستوى المحلي، والمساءلة الداعمة للديمقراطية المحلية لها شقين أساسيين، وهما: مساءلة المجالس المحلية المنتخبة للقيادات التنفيذية، بما لها من أدوات استجواب تلك القيادات وسحب الثقة منها. والشق الثاني يتجسد في مساءلة المواطن ومنظمات المجتمع المدنى لأعضاء المجالس المحلية المنتخبة، کضمان لعدم تصديق أعضاء تلك المجالس على مشروعات لا تعبر عن مصالحهم، والمساءلة قد تکون رأسية کما قد تکون أفقية، فالمساءلة الرأسية على المستوى المحلي تعبر عن علاقة بين المستويات الإدارية (محافظة – مدينة – قرية -حى)، أما المساءلة الأفقية فهي تعبر عن مساءلة المواطن ومؤسسات المجتمع المدني للموظفين المحليين، أو مساءلتهم لأعضاء المجالس المحلية المنتخبة على حد سواء.

بينما تقوم عملية الشفافية في تداول المعلومات على إتاحة المعلومات الكافية لمتخذى القرار لكي تكون قراراتهم قائمة على بيانات واضحة يعلمها كل الأطراف ذوي المصلحة، والتي تبدأ بالمعلومات المتعلقة بالمستفيدين بالخدمة وأصحاب المصلحة، وتنتهي بالمعلومات المتعلقة بإجراءات التنفيذ، وتقييم درجة رضاء المواطنين عن الخدمة المقدمة، حيث تكون البيانات والمعلومات متاحة لكل الأطراف، وحتى يمكن محاسبة المقصرين أو مكافأة المتميزين.

وتعبر عمليتي العدالة والشمولية عن قدرة الأطراف المعنية في اتخاذ قرارات يستفيد منها فئات المجتمع كافة بنفس القدر ودون تمييز بين فئة وأخرى، فالعدالة في توزيع الخدمات وشمولية تغطية الخدمة لكل الفئات ذوي المصلحة هو غاية متخذى القرار، وهي عملية تستدعى أن يكون أصحاب المصلحة لديهم القدرة للتعبير عن مشكلاتهم ومناقشة طرح الحلول والبدائل مع متخذي القرار.

في حين تعبر عمليتي الكفاءة والفاعلية عن قدرة جميع الأطراف المنخرطة في عملية اتخاذ القرار على استعراض البدائل واختيار البديل الأمثل بينها، واختبار تطبيقه عمليا، لتحقيق رفاهية المجتمع كله، مع مراعاة حسن إدارة الموارد المحلية ،والحفاظ على استدامة الموارد الطبيعية وعدم إهدارها لصالح الأجيال القادمة.

و تعد الحوکمة المحلية وسيلة هامة لضمان مشارکة الفئات المهمشة، وتضمن تواجد نوعاً من التجانس والتفاعل بين مختلف طوائف المجتمع وأجناسه، مما يحقق الأمن والاستقرار السياسي داخل المجتمع وإتاحة قدرة أکبر للسلطات المحلية للمشارکة في تشکيل وإدارة مصالحها على المستوى المحلي، وتنمية الوعي السياسي لدى المواطنين، وذلك من خلال اشراك المواطنين في إدارة المصالح المحلية التي تهمهم، أو في الاشراف والرقابة على هذه المصالح، وتدريب المواطنين المحليين على کيفية اختيار ممثليهم في المجالس المحلية، وبالتالي ممارسة أوسع لحرية الديمقراطية، كما تقوم اللامركزية الديمقراطية على اعداد وتأهيل المواطنين للقيام بدورهم كصانعى قرار ،فإذا کانت الديمقراطية تعبر عن حق المواطنين في الاشتراك في إدارة شئون الدولة والمجتمع، فإن الحوکمة المحلية تعتبر حضانة سياسية لتدريب المواطنين على كيفية إدارة الموارد واختيار البدائل من خلال العمليات التفاعلية في صناعة القرار من خلال تطبيق اللامركزية  الديمقراطية  كآلية وأداة في صناعة القرار المحلى.

كما تلعب الحوکمة المحلية دوراً هاماً في تحقيق التنمية الاجتماعية عبر إذكاء الشعور بالانتماء إلى مجتمع محلي متميز، حيث أن نظام الحوکمة المحلية، الذي يتشكل من مجالس محلية تعمل على اشباع حاجات المواطنين المحليين، يعد بمثابة تدريبات سلوكية لهم تدفعهم لزيادة ارتباطهم بواقعهم الإقليمي، وتزيد من اقتناعهم بمردود مجهوداتهم التطوعية، وتعمل على تلافى العزلة التي تتسم بها الوحدات الكبيرة والتي تضم مجتمعات غير متجانسة، والتي يضيع فيها الإحساس بالانتماء إليه ، کما تعمل الحوکمة المحلية على تعبئة المشارکة الشعبية وتوجيهها في الشئون المحلية، حيث أن المشارکة الشعبية بالأساس هي عملية احساس بضرورة المساهمة في تنمية المجتمع وتطويره، والاقتناع بضرورة البذل والعطاء، وتعميق الثقة بالإنسان وبالقيم الإنسانية، من خلال التركيز على قيم المواطنين الذين يشکلون الأجهزة المحلية ويمنح أفراده التي تعبر بها عن مشاعرهم وعن رغبتهم في اشباع حاجاتهم المادية والروحية، وکذا تعميق صلات الجوار والتشارك، حيث تقوم الحوکمة المحلية من الناحية الاجتماعية على رکنين أساسيين، الأول، وهو الجوار، بمعني الصلة بين أعضاء المجتمع المحلي کجيران، والثاني، بمعنى الإسهام أو المشارکة في اشباع الحاجات المجتمعية،و تحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك ليس عن طريق عدالة توزيع الأعباء المالية فحسب، وإنما أيضا العدالة بين مختلف المواطنين في الريف والحضر.

د.آمال سيد

خبير الإدارة المحلية

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.