أوضحنا في المقال السابق أن العمل المحلي تراوح بين مفاهيم الإدارة المحلية ومفاهيم التنمية المحلية، وبيننا أن أفضل تطبيق للعمل المحلي تمثل في تطبيق مفهوم الحوكمة المحلية، الذي يقوم على ثلاثة دعائم أساسية وهي الدعامة الديمقراطية، والدعامة الاقتصادية، ثم الدعامة الإدارية، وسوف نوضح في هذا المقال مفهوم الحوكمة المحلية.

عرف البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، مفهوم الحوکمة المحلية، على أنها "المؤسسات والنظم والعمليات المحلية التي تقوم بتقديم الخدمات للمواطنين، والتي من خلالها يعبر المواطنون عن اهتماماتهم واحتياجاتهم ويتوسطوا في خلافاتهم ويمارسوا حقوقهم والتزاماتهم"، حيث تربط الحوکمة المحلية بين جودة تقديم الخدمات المحلية، وجودة السياسة العامة المحلية، وإجراءات اتخاذ القرار من حيث شموليتها وشفافيتها ومساءلتها، والطريقة التي تمارس بها السلطة على المستوى المحلي بما يضمن التفاعل المستمر بين السلطات والمؤسسات والمواطنين بالصورة التي تعزز من عمليات التنمية المحلية، وتعمل على تشکيل المجتمعات المحلية الحديثة.

وتتعدد الأسباب الدافعة لتبني الحوکمة المحلية کمدخل لتطوير الأنظمة المحلية، ودعم عمليات التنمية المحلية بها، ومن أهم تلك الأسباب:

تغير دور الدولة، من فاعل رئيسي في التنمية وصنع السياسات العامة لتصبح مجرد الشريك الأول بين شرکاء متعددين في إدارة عمليات التنمية على المستويين المرکزي والمحلي، ولقد جاء هذا التغير کنتيجة منطقية لفشل الاعتماد على القطاع العام في تحقيق التنمية، والصعوبات التي واجهها التخطيط المرکزي کأداة للتنمية في الدول النامية، بالإضافة لزيادة نطاق وتأثير القطاع الخاص والمجتمع المدني على السياسات والإدارة العامة.

وثانى هذه الأسباب هو التوجه نحو اللامرکزية، حيث لا يتصور وجود حوکمة محلية في أى نظام في العالم بدون تحول نحو اللامرکزية.

وثالث هذه الأسباب هو التحولات الديمقراطية حيث أعطت عمليات التحول الديمقراطي وتوسيع نطاق صنع السياسات على المستوى المحلي دفعة قوية في اتجاه تطبيق مفهوم الحوکمة المحلية في الکثير من البلدان،  فنظام الحوکمة المحلية يعمل على التوفيق بين المصالح المشروعة بأساليب ديمقراطية وتشارکية، مما يساعد على انخفاض معدلات الصراع بين الأطراف المحلية المشارکة في عمليات التنمية .

ورابع هذه الأسباب هو تحسين تقديم السلع والخدمات من خلال عملية التشارك حيث تعمل الحوکمة المحلية على تحسين تقديم الخدمات العامة المحلية، بما تتضمنه من مبادئ المشارکة، والمساءلة والشفافية، والاستجابية، والکفاءة والفعالية، والعدالة والشمول، وحکم القانون.

وأخيرًا تزايد اهتمام المنظمات الدولية في دعم قضايا الحوکمة والتنمية على المستوى المحلي .

على أن التنمية المحلية لا يمکن أن تتم بجهود حکومية فحسب، بل يجب أن تمتد لتشمل الجهود الرسمية وغير الرسمية على المستوى المحلي، وتمکين الوحدات المحلية في رسم سياساتها التنموية من خلال تبني مفهوم الحوکمة المحلية.

                                                                       د/ آمال سيد

                                                                خبير الإدارة المحلية