مقالات

  13-02-2019

الحلقة الأولى :مدى مشروعية مقترحات تعديل دستور 2014 دراسة فقهية وعملية

دراسة قانونية: للمستشار الدكتور حمدى ياسين

الحلقة الأولى:

التعديلات الدستورية في شأن مدة رئاسة رئيس الجمهورية:

تحددت التعديات الدستورية في شأن مدة رئاسة رئيس الجمهورية في تعديل للفقرة الأولى من المادة (140) من الدستور وفي إضافة مادة انتقالية، ونعرض لمشروعية هذين التعديلين فيما يلي:

• عدم مشروعية تعديل المادة (140) من الدستور:

التعديل المطروح هو (المادة 140 فقرة أولى) لتنص على ما يلي:

(ينتخب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين).

وتتحدد أسباب عدم مشروعية تعديل المادة (140) من الدستور فيما يلي:

أولاً – مخالفة التعديل (أو التعدي) لحكم الفقرة الأولى من المادة (226) من الدستور الحالي:

نصت الفقرة الأولى من المادة (226) من الدستور على أن:
(لرئيس الجمهورية، أو لخٌمس أعضاء مجلس النواب، طلب تعديل مادة، أو أكثر من مواد الدستور، ويجب أن يذكر في الطلب المواد المطلوب تعديلها، وأسباب التعديل).

فإذا كان من لهم حق طلب التعديل من مجلس النواب قد استوفى شرط (خُمس أعضاء مجلس النواب)، إلا أنه لم يستوف شرط وجوب ذكر أسباب التعديل في الطلب لكل مادة من المواد المطلوب تعديلها، ولا يعتبر القول بأن التعديل يستهدف عدد من الإصلاحات في تنظيم سلطات الحكم، أو أنه كان أحد المطالب الأساسية لثورة 30 يونيو 2013، أو عدم مناسبة نص تحديد مدة الرئاسة للأوضاع غير المستقرة للبلاد، لا يُعد مثل هذه الأقوال أسباباً للتعديل لمدة الرئاسة، ومن ثم يسقط طلب التعديل لوروده مخالفاً للفقرة الأولى من المادة (226) من الدستور.
ثانياً – مخالفة التعديل (أو التعدي) لحكم الفقرة الخامسة من المادة (226) من الدستور الحالي:
نصت الفقرة الخامسة من المادة (226) من الدستور على أن:
(وفي جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات)
هذا النص هو أحد النصوص المتضمنة قيداً صريحاً على سلطة تعديل الدستور، وهو نص يتضمن حظراً على تعديل نص الفقرة الأولى من المادة (140)، وهذا الحظر من جنس (الحظر الموضوعي) وليس (الحظر الزمني)، والحظر الموضوعي هو منع يرد على نصوص معينة في الدستور تعالج وتجسد أحكاماً ومبادئ معينة، يرى المشرع الدستوري ضرورة حمايتها بحظر تعديلها حظراً دائماً وليس حظراً مؤقتاً، وهو ما أخذت به العديد من الدساتير ومنها :
الدستور الموريتاني لسنة 1991 الذي حظر تعديل الدستور ومراجعته بما ينال من الطابع التعددي للديمقراطية كما حظر تعديل مبدأ التناوب الديمقراطي على السلطة (المادة 26)، والمبدأ الملازم له الذي يحدد مدة ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة (المادة 28)، وذلك وفقاً للمادة (99) من ذلك الدستور.
ولما كان التعديل الدستوري للفقرة الأولى من المادة (140) يمس مسألة (إعادة انتخاب رئيس الجمهورية)، وهي من المسائل المحظور على سلطة مقدمي التعديل الدستوري سواء رئيس الجمهورية أو خُمس أعضاء مجلس النواب، فقد جاء حظر التعديل لمدة رئاسة رئيس الجمهورية حظراً صريحاً واضحاً لا غموض فيه ولا إبهام، بما يجعل طلب مقدمي طلب التعديل طلباً باطلاً هو والعدم سواء.
ولا يُغير من ذلك النص على أنه {ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات}، فإذا كان تقرير الحرية أو المساواة يتصور فيه المزيد من الاتساع لمجالها والعديد من ضماناتها، أما مدة رئاسة الجمهورية فمتى رأى المشرع الدستوري حظر تعديلها على أي نحو، فلا يتصور أن يكون في تقصيرها أو زيادتها أي ضمانات من أي نوع، فجميع ما يصيب مدة الرئاسة من زيادة لاعتبارات تتعلق بشخص بذاته من شأنه أن يثير سبب عدم اعتبار تقصير المدة ضمانة، كما أن اتساعها لمدة أو مدد أخرى لاعتبار شخصي أو قصرها على مدة واحدة لا يمكن اعتبار أيها ضمانة من الضمانات، فالدساتير لا تتقرر حباً أو بُغضاً لشخص، وإنما لترسيخ مبادي عليا ومثلها ما قررته المادة (5) من ذات الدستور من أن النظام السياسي يقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة ...، على الوجه المبين في الدستور، وعلى ذلك فإن إطالة مدة الرئاسة ومدها هو مما يتعارض ويتنافى مع التداول السلمي للسلطة، ولا يمثل أي ضمانة مما أشارت إليها المادة (226) من الدستور، ومن ثم لا يجوز دستورياً إجراء أي تعديل على نص الفقرة الأولى من المادة (140) من الدستور لصراحة حظر التعديل المقرر بالمادة (226) من الدستور ذاته.
ثالثاً – مخالفة التعديل (أو التعدي) لحكم المادة (5) من الدستور ومبدأ التداول السلمي للسلطة:
لقد أوجبت المادة (5) من الدستور أن يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة، وإذ كان إطالة مدة الرئاسة وتمديدها مع طولها لمدة أخرى هو مما يؤثر بالسلب على التزام النظام السياسي بأن يقوم على التداول السلمي للسلطة، وتأبيد التشبث بالمنصب السياسي، وهو مما يخل بأي مسيرة للديمقراطية، فقد جاء هذا الأسلوب كاشفاً عن الاقتداء بالنظام السياسي الذي دفع الشعب المصري إلى الثورة عليه وهو نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي أجري على مدد الرئاسة العديد من التعديلات الدستورية فتولى رئاسة جمهورية مصر العربية المدة من 14 أكتوبر 1981 حتى تنحيه بناء على ثورة 25 يناير في 11 فبراير 2011، فقد كانت المادة (77) من دستور جمهورية مصر العربية 1971 قبل تعديلها تجري على أن:
(مدة الرئاسة ست سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء، ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدة تالية ومتصلة).
ونصت بعد تعديلها في 1980على أن:
(مدة الرئاسة ست سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الانتخاب. ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدد أخرى).
وقد اتبعت السلطة في ذلك الحين أسلوب تمرير نص تجدد مدة رئاسة الجمهورية (لمدد أخرى) غير محدودة، بالاختباء تحت عباءة تعديل دستوري آخر بأن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
وعند قيام ثورة الشعب المصري العظيم في 25 يناير 2011 كان أحد مظاهر الفساد والتوريث نص المادة (77) المشار إليه، ومن ثم تمت مواجهة ذلك النص في دستور 2012 الذي نصت المادة (133) منه على أن:
(ينتُخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه؛ ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة).
واستمر ذات النهج بعد قيام ثورة الثلاثين من يونيو 2013، حيث صدر دستور 2014 متضمناً نص المادة (140) على أن:
يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة).
وقد جرت غالبية الدساتير على النص على تحديد مدة رئاسة الجمهورية بمدد تتراوح بين أربع سنوات وست سنوات وجواز انتخاب الرئيس لمدة واحدة تالية، ومن هنا لا تكون ثمة ضرورة لإجراء أي تعديل أو تعدي على الدستور، وتبطل ادعاءات مقدمو طلب التعديل (155) عضواً وهو أكثر من (خُمس أعضاء مجلس النواب)، للأسباب التالية:
السبب الأول – لا صحة للسبب الأول القائل بأن التعديل يستهدف عدد من الإصلاحات في تنظيم سلطات الحكم، فسلطات الحكم ليست في حاجة إلى أي إصلاح، إذ تم وضع دستور مصر من كبار رجال الفقه والقضاء والمتخصصين في كافة مجالاته.

السبب الثاني – ولا صحة كذلك للقول بأن تعديل الدستور كان أحد المطالب الأساسية لثورة 30 يونيو 2013 التي قامت لإنقاذ البلاد من أزمة سياسية ودستورية غير مسبوقة، وتسببت في خلق حالة خطيرة من الانقسام والاستقطاب، وهددت وجود الدولة المصرية، وأول ما يدحض هذا السبب أن الدستور المعتدى عليه صدر عقب ثورة الثلاثين من يونيو، حيث صدر ونشر بالجريدة الرسمية العدد 3مكرر (أ) بتاريخ 18/1/2014 وعمل به من تاريخ 18/1/2014، فإذا كان تعديل مدة الرئاسة مطلباً شعبياً لجماهير ثورة 30 يونيو فقد تحقق المطلب بتقرير دستور 2014 مدة (أربع سنوات) تجدد لمرة واحدة، فكيف لمقدمي طلب التعديل أن يجابهوا بأنفسهم إرادة الشعب المصري وجماهير ثورة 30 يونيو ويقوموا رياءً للرئيس بزيادة مدة رئاسته إلى ما يقرب من التأبيد نظراً للسن الحالي له.
السبب الثالث – الادعاء بأن التطبيق العملي للنصوص ومنها نص تحديد مدة الرئاسة كشف عن عدم مناسبتها للأوضاع غير المستقرة للبلاد بعد تجاوز مرحلة تثبيت أركان الدولة والتحرر من أخطار الأزمة السياسية التي فجرت ثورة 30 يونيو، هو ادعاء باطل فكيف يكشف تطبيق مدة رئاسة قدرها أربع سنوات امتدت لأربع سنوات أخرى عن كونها مدة غير مناسبة، فإذا كانت البلاد تواجه الإرهاب فإن الشعب وجيشه وشرطته يواجهون هذه الظاهرة الإجرامية دون ضرورة لمدد رئاسة أخرى تُمد إلى شخص بذاته هو رئيس الجمهورية، وذلك سمة النظم الديمقراطية الحريصة على تحقيق مبدأ تداول السلطة، بإيجاد آليات لانتقال منصب رئيس الجمهورية إلى آخر، وهو ما تقوم عليه كافة النظم الديمقراطية بما يسمى (التداول السلمي للسلطة)، والذي أكدته المادة (5) من الدستور محل التعديل.
رابعاً – مخالفة التعديل (أو التعدي) بإضافة مادة انتقالية لا تتصف بالتشريع العادي أو الدستوري لعدم تجردها:
أورد طلب تعديل الدستور إضافة (مادة مستحدثة أسموها انتقالية)، ورد نصها على الوجه التالي:
مادة مستحدثة انتقالية:
(يجوز لرئيس الجمهورية الحالي عقب انتهاء مدته الحالية إعادة ترشحه على النحو الوارد بالمادة 140 المعدلة من الدستور).

والثابت أن هذه المادة لا تصلح أن ترد في لائحة أو قانون من القوانين العادية، ومن ثم فهي لا تصلح أن تكون مادة يتضمنها الدستور.
فالأصل أن القاعدة الدستورية أو القاعدة القانونية تتمتع بالخصائص التالية، وهي (1 – أنها قاعدة عامة مجردة. 2 – أنها خطاب موجه إلى الأشخاص. 3 – أنها قاعدة اجتماعية. 4 – أنها قاعدة مُلزمة)،
فأما عن أن تكون القاعدة (عامة) فإن ذلك يعني أن تتناول الأشخاص المُخاطبين بحكمها بصفاتهم وليس بذواتهم، فالقاعدة القانونية التي تعاقب السارق بالحبس تعتبر قاعدة عامة لأنها تطبق على كل من يرتكب السرقة، بينما القرار الصادر بتعيين شخص رئيساً للمحكمة الدستورية العليا أو رئيساً لمحكمة النقض أو رئيساً لمجلس الدولة، أو رئيساً للجامعة، لا يضع قاعدة عامة ومن ثم لا يقرر قاعدة تتسم بالعمومية، وأما عن وجوب أن تكون القاعدة (مجردة)، فإن التجريد يعني أن تكون القاعدة من حيث نشوئها لا تتعلق بشخص معين أو واقعة معينة، ولذلك فإن القاعدة القانونية باعتبارها عامة ومجردة لا تستنفذ أثرها بتطبيقها على شخص مُعين أو على واقعة معينة، بل تطبق على الدوام وعلى عدد غير متناه من الحالات طالما توافرت الصفات والشروط العامة التي تفترضها.
وعلى ذلك فإن أساس العمومية والتجريد في القاعدة القانونية هو (1 – مبدأ سيادة القانون ومبدأ المساواة أمام القانون. 2 – تحقيق العدل والعدالة. 4 – استحالة صدور قرارات خاصة تنظم سلوك كل فرد في المجتمع)،
وهو ما أكدته المحكمة الدستورية العليا في العديد من أحكامها ومنها: (القضية رقم 39 لسنة 27 قضائية بجلسة 13/1/2018 - والقضية رقم 60 لسنة 37 قضائية بجلسة 3/2/2018 - والقضية رقم 23 لسنة 34 قضائية بجلسة 1/12/2018).
وترتيباً على ذلك، فإن النص المستحدث المسمى نصاً انتقالياً والذي جرى على أنه (يجوز لرئيس الجمهورية الحالي عقب انتهاء مدته الحالية إعادة ترشحه على النحو الوارد بالمادة 140 المعدلة من الدستور)، قد ورد {{ساقطاً وهو والعدم سواء لافتقاده وصف القاعدة القانونية المجردة}}، فتضمن أن النص يخص شخص (رئيس الجمهورية الحالي) وهو شخص بذاته لم يتبق سوى أن تجري صياغته على أنه (يجوز للسيد/ ...)، فالنص حدد سلفاً اسم رئيس الجمهورية بالإشارة إلى أنه رئيس الجمهورية (الحالي)، وهو نص لا يجوز أن تتضمنه لائحة تنظيمية أو قانون فما بالنا بتقريره كنص دستوري، حتى وإن سُمي بالنص الانتقالي، فالنصوص الانتقالية ولو سيكون تطبيقها محدداً زمنياً أو منتهياً بتحقق غايته يتعين أن يكون كذلك منطوياً على قاعدة قانونية عامة ومجردة، وقد فقد النص عموميته وتجريده فصار ساقطاً ((والساقط لا يعود)).
ومن جهة أخرى فقد حملت فكرة النص (نفاقاً تشريعياً) غير مسبوق، فالنص يقرر أن رئيس الجمهورية الحالي - عقب انتهاء مدته الحالية – أي الثمان سنوات الشرعية، يمكنه الاستفادة من مدتين أخريين قدرهما اثنا عشر سنة بتمكينه من إعادة ترشحه على النحو الوارد بالمادة 140 المعدلة من الدستور، أي بتقرير أن تكون مدة رئيس الجمهوري (عشرون سنة ميلادية)، فيكون البطلان وعدم المشروعية الدستورية والقانونية قد شابت النص ليس فقط لفقدان شرطي العمومية والتجريد، وإنما كذلك لتقرير مدة قدرها عشرون سنة لتولي رئيس الجمهورية منصب الرئيس، حال أن رئيس الجمهورية وقد تم انتخابه لمدتين قدرهما ثمان سنوات يكون قد تمتع بالنص الوارد بدستور 2014 واستنفذ المدة المقررة له، وصار من الغير الذين لا يجوز لهم الترشح ابتداءً.

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.