16-09-2020
هل سبق في التاريخ أن شعبا قاوم إحتلالا أجنبيا دون مساندة شاملة وغير مشروطة من جيرانه أو شركائه في القيم السياسية حتي لو جلبت هذه المساندة عدوان قوة الاحتلال علي المساندين ؟
تطبيقيا هل كان شعب جنوب افريقيا يمكنه إسقاط حكم الأقلية البيضاء العنصري وهو يناضل وحده ضدها دون تدفق المساعدات عليه من دول الجوار ومن قوى التحرر في العالم عبر دول الجوار هذه والتي كانت أيضا توفر المأوى للمقاومة و التي كثيرا ما تعرضت لعدوان وغزو من جنوب افريقيا العنصرية ؟
وهل كان يمكن للفيتناميين الانتصار على أمريكا دون مساندة مضمونة وغير مشروطة من السوفييت والصين و دون أن تمتد نيران العدوان الأمريكي في أحيان كثيرة إلى لاوس وكمبوديا المجاورتين بل هل كان يمكن انتصار حرب التحرير الجزائرية دون مساندة مصر وليبيا وتونس والمغرب ؟
لابد إذن عند تناول القضية الفلسطينية من التساؤل عن أسباب تخاذل الدول العربية جميعها عن نصرة ومساندة المقاومة فلسطينية من الداخل ومسارعة هذه الدول منذ الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 ومؤتمر لندن في العام ذاته إلى الضغط على الفلسطينيين لقبول تسويات مؤقتة مراوغة تبدد طاقة المقاومة ثم لا تفي الصهيونية وحلفاؤها ببقية الشروط ؟
حدث هذا في الانتفاضة الأولى والثانية وفِي أوسلو وطابا و"واي بلانتيشن
وحدث في مبادرة بيروت العربية السعودية الأصل والفصل التي قبلتها كل الدول العربية والاسلامية ولم تقبلها إسرائيل والتي عرضت التطبيع بين كل تلك الدول وبين إسرائيل مقابل انسحاب تلك الاخيرة من الأرض الفلسطينية المحتلة وإقامة الدويلة الفلسطينية مع تنازلات في قضايا اللاجئين والقدس وغيرها وهاهي ذي دول الخليج بمباركة علنية من السعودية تتجاهل تلك المبادرة وتدخل في سلام تشبه دقات طبوله واستعراضاته فرحة أحبة بزفاف طال حرمانهم منه بسبب العزول الفلسطيني البغيض.
المدهش أن دول الخليج لم تبذل من أجل الشعب الفلسطيني سوى بعض الأموال في حين ضحى المصريون والأردنيون واللبنانيون بالدماء والأرواح والأموال و تعرضت أراضيهم للاحتلال
يفهم من تصريحات ترامب في عرس الشين بين كل من اسرائيل والإمارات والبحرين (وليس عرس الزين طبعا
أن الهدف المتفق عليه مع نيتينياهو والأمراء الخليجيين هو قطع آخررافد للمعونات المالية والاقتصادية والانسانية عن الفلسطينيين لإجبارهم بالتجويع على قبول صفقته بعد أن قطع هو المعونة الأمريكية عنهم بمجرد جلوسه على المكتب البيضاوي، وهي الصفقة التي أوضح نتنياهو أنها تعطي كل الأرض الفلسطينية لإسرائيل عدا عدة جيوب معزولة، وسمح للفليسطينيين ساخرا ان يسموها دولة أو حتي إمبراطورية في حين لم ينس ترامب أن يقول ان السعودية آتية لا ريب
سبق أن قلت هنا إن التذرع بالحاجة إلى التحالف مع إسرائيل لمواجهة إيران ليس مقنعا بما يكفي بما أن مشكلة الخليج الأولى والأكبر هي مع الكتل الشيعية داخل بلدانه
ومع ذلك فإن التخلي التام عن الفلسطينيين وتجويعهم على نحو ما يقول ترامب ونتنياهو سيؤديان إلى آثار عكسية في الغالب لأن اليأس الكامل سيجعل الموت مساويا للحياة وربما أكثر شرفا فتنزاح مرحلة أوسلو برموزها وتبتكر أساليب للمقاومة تؤدي إلى شروط أفضل منها، مثلا هناك ماهو مطروح حاليا في الدوائر الفكرية عن الدولة ثنائية القومية وذلك بتراكم المقاومة وتفاعلها مع متغيرات دولية وإقليمية تنهي هذه المرحلة الكئيبة من استقواء اليمين العنصري في أمريكاوإسرائيل وحلفائهم من الفاشيين العرب، مع ظهور صيغة مختلفة من التكامل الإقليمي في المنطقة.
أقول لمن يستبعدون هذه المآلات:مهلا عودوا بذاكرتكم قليلا إلى الوراء وتفكروا ماالذي أدى إليه تخلي الأمريكيين والخليجيين عن دعم الشعب الأفغاني بعد الانتصار على الاحتلال السوفيتي رغبة في أن يدمر الجهاديون هناك أنفسهم بأنفسهم ؟!!!!
ألم تأت الرياح بمالا تشتهي السفن وظهرت طالبان والقاعدة ؟ وانضم اليهما سعوديون وإماراتيون ومصريون وانتشار (إرهابهم) في أنحاء العالم وصولا إلى نيويورك وواشنطن مما جاء بغزو أمريكي صريح وشامل لأفغانستان نفسها أسقط حكم طالبان ثم هاهي ذي امريكا بجلالة قدرها وبعد 19عاما من نزف الدماء والأموال والهيبة تتفاوض مع حركة طالبان لإشراكها في السلطة وهي تعلم أنه بمجرد خروج قواتها ستسقط السلطة كاملة في أيدي الحركة.
صحيح ان هناك أوجه اختلاف بين فلسطين و أفغانستان من حيث تردد وعجز بل وتواطؤ المحيط الإقليمي المباشرفي الحالة الفلسطينية ولكن الشعوب كثيرا ماتتجاوز الحكومات خصوصا وان هناك فعليا دول وقوى وحركات ترفض وتقاوم الخطط الصهيو-ترامبية
أ.عبد العظيم حماد
عضو مجلس الأمناء بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي
كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي
تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.