11-01-2019
دومة وسقوط وهم امتناع التعليق على احكام القضاء:
من الصعب تجاهل قضية كبيرة مثارة فى المجتمع المصرى الآن تتعلق بصدور أحكام قضائية ببراءة أعضاء نظام فاسد إدانة شباب ثورة قامت ضد هذا الفساد احترمها ووقرها الدستور المعمول به الآن فى ديباجته ومتنه.
هل يباح التعليق على القانون الذى يصدره مجلس النواب ويمتنع التعليق على الحكم الذى يصدره القضاء ولو كان متماسا مع قضية عامة تهم المجتمع مثل قضية الفساد والثورة التى قامت ضده ؟
هل القاضى آلة صماء مهمتها تطبيق القانون الذى صدر فى القرن الماضى وهو قانون العقوبات دون ان يعيد تفسيره فى ظل الدستور الذى صدر فى سنة 2014 باعتبار أن الدستور هو أعلى مرتبة من القانون والدستور اعترف بثورة يناير 2011 وقال فيها وفيمن قاموا بها غزلا صريحا ومدحا وتقريظا وتعظيما وتبجيلا وتوقيرا واعلاء بما يجعلها تستقر فى الضمير والوجدان القضائي اولا حتى ولو كان القاضي كشخص تابع للنظام البائد ويحب مبارك ويكره من ثاروا ضده ، القاضى فى الدعوى يجب ان يتجرد من نوازعه وميوله الشخصية فاذا كان يكره النساء لمروره بتجربة مؤلمة فلايجوز ان ينحاز للأزواج فى احكامه ، بمعنى انه يتعين ان يكون ضميرا لمجتمعه فى اطار الدستور الجديد الذى أتى لأول مرة فى تاريخ مصر بالمسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية بجواز سحب الثقة منه بواسطة مجلس النواب وعمل انتخابات رئاسية مبكرة .
الاجابة على الاسئلة الهامة التى يطرحها هذا المقال لاتتطلب العقل القليدى او عقلية عبدة الأصنام الذين قالوا نعبد ماالفينا عليه آباءنا من عدم التعليق على الأحكام القضائية ، فالقضاء نفسه يعدل عن بعض المبادئ التى استقر عليها وتواتر عليها العمل لعشرات السنوات .
ان الإجابة الصحيحة فى القضية المطروحة تتطلب عقل متفتح على الفلسفة والقانون فى وقت واحد ، والاستعانة بالمنهج التفكيكى الذى يعتنقه الفكر الحديث فى العالم المعاصر حتى لانتخلف عن الركب اكثر من ذلك .
لوك فيرى فيلسوف فرنسي من مواليد 1952 شغل منصب وزير التربية والتعليم فى فرنسا ،فى كتابه المعنون (اجمل قصة فى تاريخ الفلسفة) وضع فصلا ليعرفنا ان المنهج التفكيكى الذى أسسه نيتشة قائم على تفكيك الأفكار والبنى الفكرية لبيان زيفها من حقيقتها ، وللوصول الى غاية مفادها هدم الأفكار التى يقال عنها انها لاتقبل النقد او المناقشة ، وتؤخذ كمسلمات ، وهى فى حالتنا موضوع المقال مدى صحة عدم جواز التعليق على احكام القضاء.
ومن هذا المنظور فان كل متعالي مثالي انما هو فى رأى نيتشه نفي للحياة وطريقة لتشويهها، وهذا مايسميه العدمية ، وهو لفظ يعطيه معنى مختلف عن المعنى المتعارف عليه ، فالشائع ان العدمي هو الشخص الذى لايعتقد فى شئ، ولكن عند نيتشة هو شخص يعتقد اعتقادا اعمى فى قيم يراها هذا الشخص قيما عليا.
وبالتطبيق فان من يرى الثبات على عدم التعليق على أحكام القضاء فى ظل المتغيرات الدستورية والاجتماعية التى طرأت على الحياة السياسية المصرية بعد ثورة يناير هو شخص عدمي، فالعدمية هى التحجر وعبادة الأوثان وعدم القابلية للتطور.
فالحياة الجيدة تتطلب التناغم الكامل بين قوانا الحيوية ، والحياة القبيحة تستنفذ فى الصراع الفوضوى .
د.محمد السمادوني
كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي
تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.