28-07-2019
يمتلئ مقهى مستوكلى، الواقع بميدان البورصة فى بلدة زفتى، بعدد كبير من أبناء البلدة، يشاركون مثقفيها المنخرطين فى الحراك الوطنى النقاش، كيف يستطيعون- وهم أبناء قرية صغيرة على ضفاف النيل- المشاركة فى معركة الاستقلال الوطنى؟ فقد خرج الجميع احتجاجا على اعتقال سعد زغلول ورفاقه، ونفيهم إلى جزيرة سيشل. حتى السيدات اللاتى لم يعتدن الخروج من منازلهن إلا فيما ندر، خرجن، وواجهن رصاص الإنجليز!
كان الجميع يتساءل: كيف نعلن تضامننا مع الحراك الوطنى المطالب بالاستقلال؟ وتوجهوا بسؤالهم لشباب البلدة المعروفين بالنضال ضد الإنجليز- يوسف الجندى، وابن عمه عوض الجندى المحاميين، والشيخ عمايم، والكفراوى، والفخرانى، وسويلم، ومحمد أفندى عجينة، صاحب مكتبة للأدوات المدرسية ومطبعة، وبعد نقاشات دارت أكثر من يوم، قرروا أن يلفتوا نظر العالم أجمع لهذه القرية الصغيرة، فحفروا اسمها فى الذاكرة الوطنية المصرية.
صباح 18 مارس 1919، يعلن شباب القرية استقلال قريتهم، ويمرون على بيوت أهالى البلدة يدعونهم لمشاركتهم، ويتوجه إليهم أحد الأشقياء بالمنطقة، ويطلب منهم السماح له بالانضمام إليهم هو وعصابته، يوافق الشباب ويصطحبونه معهم لمقابلة ضابط نقطة الشرطة «حمد أفندى» الذى أعلن هو الآخر الانضمام لهم، وفتح لهم السلاحليك.
وبين ليلة وضحاها، تتحول القرية إلى خلية نحل! يعرف كل من فيها دوره بعناية. وانتظم أبناء البلدة فى اللجان المختلفة التى شكلها المجلس البلدى الحاكم: لجنه التموين والإمداد، تحصر المواد التموينية وتوزعها على الأهالى، ولجنة النظافه، تنظف الشوارع وترشها بالماء وتنير الطرقات ليلاً، ولجنه الإعلام، تطبع المنشورات لتوضيح الوضع العام فى البلدة، وتصدر جريدة جمهورية زفتى، وتولت فيما بعد إنشاء وإدارة كشك الموسيقى بالقرية! ولجنة الأمن والحمايه، يشرف عليها الضابط الشاب حمد أفندى وبمعاونة الشقى سبع الليل جمع الرجال من الخفر ورجال سبع الليل والأهالى من القادرين على حمل السلاح، وقسمهم إلى مجموعات، تتولى كل مجموعة حماية أحد مداخل البلدة.
وتصدى الأهالى لمحاولتى اقتحام قامت بهما القوات الإنجليزية، إلى أن نجح الإنجليز فى الاقتحام يوم 29 مارس. ورغم أن الجميع كان يعلم أن استقلال بلدة صغيرة، تجربة محكوم عليها بالفشل من بدايتها، فثقة المواطنين بقادتهم الذين لم يكذبوا عليهم، وخاضوا المعركة معهم كتفًا بكتف- كانت أكبر من الخوف! فوثقوا بهم، وشاركوهم معركة فشلت، لكنها حفرت فى الذاكرة الوطنية المصرية.
(2)
صباح 29 يناير 2011، يستيقظ المواطنون المصريون على انسحاب كامل لرجال الشرطة من أداء مهامهم فى حماية المواطنين، والسجون عمدًا، فينطلق المجرمون، وبعض رجال مبارك والعادلى، الذين أرادوا إثارة الفزع، يطلقون النيران فى الشوارع، ويعتدون على الممتلكات.
ينظم شباب الأحياء المختلفة أنفسهم فى لجان شعبية، تتولى مسألة الحماية والأمن، فينضبط الأمن فى البلاد خلال ساعات قليلة. ويشعر المواطنون بالأمان، بشكل يفوق أى وقت مضى كان للنظام فيه السيطرة الكاملة، وتقل نسبة الجرائم كثيرا عما يحدث فى أوقات وجود قوات الشرطة.
(3)
لا يحتاج المواطنون أن تدعى أنك ستخلصهم من كل مآسيهم! فليس منطقيا أن يستطيع شخص واحد حل مشكلات 90 مليون مواطن. كما أن تصور وجود الفرد الملهم المخلّص لن يستتبعه سوى ديكتاتورية وبطش، لأنه سيجد من يزينون له الاستبداد، باعتباره الأعلم من الجميع بمصلحتهم! ليس مطلوبا سوى مصارحة الناس بحقيقة الوضع، وامتلاك حلم وخطة واضحين بخطوات ممنهجة لتحقيقه، وإصرار على تنفيذه.
وستدفع هذه المقومات وحدها الجميع إلى الالتفاف حولك، يشاركونك بناء هذا الحلم. وقتها، ستصبح واحدا من هؤلاء الناس، يضحون بحياتهم من أجل الحلم المشترك، لا من أجل صاحب سلطة يزعم البعض أنه المخلّص، ويختلقون الكذبة تلو الأخرى لمحاولة كسب فرص جديدة. فلن يمضى وقت طويل حتى تنكشف جميع الأكاذيب، وحينها سيكون الحساب أكبر من قدرة الكاذبين على السداد.
الرابط الأصلي للمقال:
https://www.almasryalyoum.com/news/details/708795
كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي
تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.