مقالات

  03-11-2019

د.ابراهيم نوار يكتب:الأولوية لإثيوبيا في مفاوضات واشنطن ؟؟؟

بعد أن اتفقت مصر وإثيوبيا في سوتشي على استئناف المفاوضات بينهما “على نحو أكثر انفتاحا وإيجابية، بهدف الوصول إلى تصور نهائي بشأن قواعد ملء وتشغيل السد” تلتقي في واشنطن وفود المفاوضات التي تمثل مصر والسودان وإثيوبيا في 6 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، بناء على دعوة أمريكية، في محاولة جديدة لمنع تفاقم الأزمة بين مصر وإثيوبيا، بعد أن أعلنت القاهرة أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود. الحكومة السودانية اختارت منذ بدء المفاوضات أن تصطف بجانب الموقف الإثيوبي، معززة وجهة النظر التي تقول إن منافع السد تتفوق على أضراره؛ فهي بذلك تعزز موقفها أيضا بشأن خطة لبناء عدد من السدود الجديدة على مجرى النيل قبل وصوله إلى مصر. فهل ستؤدي الرعاية الأمريكية للمفاوضات إلى تعزيز الموقف المصري، أم إنها ستضعفه أكثر وتزيد من عمق الأزمة الحالية؟

اتفاق الخرطوم الذي وقعته الدول الثلاث في اذار/مارس 2015 ليكون الإطار للمبادئ المقبولة فيما يخص تنظيم استغلال مياه نهر النيل، يمثل بداية لاستراتيجية جديدة للتعاون فيما بينها في موضوع المياه. وتعود أهمية الاتفاق أيضا إلى أنه الإطار الوحيد للتعاون المتعدد الأطراف الذي يربط مصر بدولتين من دول حوض النيل، منذ أن أعلنت عدم موافقتها على اتفاقية عنتيبي في العام 2010. كل ما يربط مصر تعاقديا بدول حوض النيل حتى الآن هو اتفاقية 1959 بين مصر والسودان، إضافة إلى عدد من الاتفاقيات والمذكرات المتبادلة بين الحكومة المصرية وحكومة المملكة المتحدة بخصوص تنظيم استغلال مياه النيل، وإقامة بعض مشروعات الري في أوغندا، خلال الفترة من 1949 وحتى 1953. توجد أيضا مذكرات متبادلة بين الحكومة البريطانية والحكومة المصرية في أيار/مايو 1929 بخصوص تنظيم استغلال نهر النيل في مناطق معينة من حوض النهر. هذه المذكرات تستند إليها الحكومة المصرية في حجتها بشأن حقها في الموافقة أو الاعتراض على بعض المشاريع التي يمكن أن تتسبب في تعطيل أو عرقلة تدفق مياه نهر النيل إلى مصر. أما بالنسبة للعلاقات الثنائية مع إثيوبيا، فيوجد إطار عام للتعاون بين البلدين تم توقيعه في أول تموز/يوليو عام 1993 لكن أيا من الدولتين لم تهتم بتطويره أو تفعيله منذ ذلك الوقت.

صدام بين منطقين متعارضين

الأزمة الحالية بين مصر وإثيوبيا، تعود إلى صدام بين منطقين متعارضين تماما تتمسك كل منهما بأحدهما؛ مصر تقول إنها تحصل على مياه نهر النيل التي تتدفق من منابع النهر في إثيوبيا وأوغندا وغيرهما بدون عوائق أو قيود، وأن هذا الحال استمر لآلاف السنين بدون اعتراض من أحد، ومن ثم فإنه يشكل عرفا دوليا، لا يجوز الإخلال به. وفي حال رأت دولة من دول المنبع أن لها مصلحة في تنفيذ مشروع في أعالي النيل يعود عليها بالنفع، فإن هذه الدولة لا يجب أن تقيم المشروع بدون موافقة مصرية، بعد تقييم آثار الضرر المتوقع حدوثه في مصر نتيجة للمشروع. لا تعتمد مصر في وجهة نظرها على الحق التاريخي فقط، وإنما تدفع أيضا بحقيقة أن مياه النيل هي المصدر الوحيد للحياة تقريبا في البلاد، التي يمكن أن تتحول إلى صحراء قاحلة إذا انقطعت عنها. وتبلغ حصة مصر منها حسب اتفاق 1959 مع السودان 55.5 مليار متر مكعب سنويا، بينما مجموع كمية المياه العذبة المتجددة من المصادر الأخرى التي تشمل العيون والآبار الجوفية والأمطار تصل إلى حوالي 4 مليارات متر مكعب سنويا. وتعاني مصر من فجوة في إمدادات المياه تتجاوز 20 مليار متر مكعب سنويا.

إثيوبيا على الطرف الآخر ترى أنها على الرغم من كميات الأمطار الهائلة التي تسقط عليها في معظم السنوات، فإنها في العقود الأخيرة أصبحت تعاني من تفاوت حاد فيها، وفي توزيعها جغرافيا، ما أدى إلى حدوث فترات جفاف طويلة ومتكررة منذ بداية سبعينات القرن الماضي، تسببت في مجاعات وموت مئات الآلاف جوعا، ونفوق المواشي، وتوقف الزراعة. ومن أجل التغلب على موجات الجفاف رأت الحكومة الإثيوبية أن تعبئة موارد مياه الأمطار، وإنشاء سدود وخزانات للتحوط ضد الجفاف، والبدء في تنفيذ خطط طموحة للتنمية الاقتصادية، هو الطريق إلى مستقبل أفضل للمواطنين الذين يتمتع أقل من ثلثهم حاليا بخدمات المياه الأساسية النقية. وعلى الرغم من أن إثيوبيا لم تنكر فضل مساعدات الإغاثة الإنسانية التي تحصل عليها من الخارج، لمواجهة تبعات الجفاف والتغيرات الحادة في الظروف المناخية، إلا أنها في حاجة شديدة للاعتماد على الموارد المحلية، نظرا لأن المجتمع الدولي يجد صعوبة في توفير الاعتمادات المالية اللازمة. على سبيل المثال، فإن إثيوبيا لم تحصل من اعتمادات المساعدات الدولية للعام الماضي إلى على ما يقرب من الثلث فقط.

المفاوضات الثلاثية

ونظرا لعدم موافقة مصر على اتفاقية عنتيبي، وعدم وجود اتفاق متعدد الأطراف بين مصر ودول حوض النيل، وهو الأمر الذي كان يجب أن تحرص مصر على وجوده قبل انفجار الأزمات، فإن نتيجة المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا، ستعلب دورا محورا في صياغة شكل ومضمون العلاقات بين دول حوض نهر النيل، أطول الأنهار في العالم، بعيدا عن المنطق التقليدي الذي تسلحت به مصر منذ أزمة مفاوضات عنتيبي حتى اليوم، وبما لا يخل بالمصالح الحيوية لدول المصب، وهي ثلاث دول حاليا، مصر والسودان وجنوب السودان. إن غياب إطار إقليمي متعدد الأطراف للتعاون بشأن تنظيم استغلال مياه النيل، يضيف صعوبة شديدة إلى المفاوضات التي سترعاها واشنطن. دول حوض النيل الأخرى، غير المدعوة للمفاوضات، ستراقبها بعناية كبيرة، حتى تتيقن من أن أيا من نصوصها لن يعود عليها بالضرر، وكذلك لتتحوط ضد الأضرار في أي اتفاقيات مستقبلية مع مصر.

هذا يقودنا إلى استنتاج مهم جدا، ألا وهو مصر التي اعتبرت أن حقها في تدفق مياه النيل غير خاضع للتساؤل أو المناقشة، تجد نفسها حاليا، وحتى يتم وضع قواعد واضحة ودقيقة للتعاون المتعدد الأطراف بين دول حوض النيل جميعا، في وضع شائك يحتاج للمراجعة. هذه المراجعة من المرجح أن تكون صعبة ومؤلمة ومكلفة.

في مفاوضات واشنطن، تبدو الدولة الراعية أكثر ميلا للمنطق الإثيوبي، طبقا للاستراتيجية الأمريكية للمياه في العالم الصادرة عام 2017 ولقانون المياه الأمريكي للعالم، الذي ينظم علاقات التعاون بين الولايات المتحدة وغيرها في مجالات المياه لعام 2014. هذا القانون يتحول إلى خطة عمل سنوية يقرر الكونغرس خطوطها العريضة، ثم تقوم الوزارات والإدارات المختلفة بتنفيذها كل فيما يخصه.

الاستراتيجية الأمريكية للمياه في العالم تضع إثيوبيا ضمن قائمة الدول ذات الحاجة الشديدة إلى المياه. القائمة تضم من البلدان العربية الأردن ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة. وفي افريقيا تضم من دول حوض النيل إثيوبيا والكونغو وكينيا وأوغندا وجنوب السودان، إلى جانب دولتين افريقيتين هما نيجيريا وليبيريا.

التعاون المشترك

وتعتبر الاستراتيجية الأمريكية أن الأولوية في أزمات المياه حول العالم، يجب أن تكون لزيادة قدرة الدولة على مقاومة خطر المجاعة والصدمات المناخية الحادة. وفي هذا السياق فإن الولايات المتحدة تضع برامج مساعداتها للدول ذات الأولوية بما يحقق عددا من الأهداف الرئيسية، في مقدمتها تعزيز التعاون في تنظيم استغلال مصادر المياه المشتركة مع دول أخرى، مثل الأنهار العابرة للحدود وبحيرات المياه العذبة وخزانات المياه الجوفية، بما يحقق أقصى استفادة ممكنة من هذه المصادر لصالح التنمية في الدول المعنية. كذلك تتضمن أهداف الاستراتيجية الأمريكية تشجيع الدول المعنية على اتباع أساليب حديثة متقدمة لإدارة مصادر المياه العذبة وحمايتها من التلوث والنضوب. وتقرر الاستراتيجية أن التعاون المشترك بين الدول التي تعاني من مخاطر نقص المياه، أو المهددة بذلك، من شأنه أن يقلل احتمالات النزاعات أو الحروب. ولا تقتصر الدراسات التي أجرتها الولايات المتحدة لأزمة المياه في العالم على نهر النيل، وإنما تتناول حوالي 260 نهرا عابرا للحدود وما يقرب من 600 من خزانات المياه الجوفية التي تتشارك فيها دولتان أو أكثر.

ولا تصنف الاستراتيجية الأمريكية مصر ضمن الدول الأشد احتياجا للمياه، على الرغم من حقيقة أنها تعيش تحت خط الفقر المائي منذ سنوات طويلة، وأن معدل الزيادة الطبيعية للسكان يعني تضاعفهم مرة على الأقل كل 40 عاما مع ثبات كمية المياه المتاحة، وهو ما يفرض قيودا حادة على التنمية الاقتصادية. وعلى هذا الأساس، فإن مفاوضات واشنطن التي ستبدأ بعد أيام، ستضيف على الأرجح صعوبات أمام المفاوض المصري، ما لم يتسلح بمنطق جديد، يأخذ في اعتباره أن دول حوض النيل هي أطراف متساوية القوة والحقوق فيما يتعلق بقواعد تنظيم استغلال مياه النهر، وأن نتائج هذه المفاوضات سوف تصبح على الأرجح إطارا مرجعيا لاتفاق جديد متعدد الأطراف بين كل دول حوض النيل، وليس بين الدول الثلاث فقط، وأن مصر يجب أن تضع التعاون الواسع النطاق مع دول حوض النيل في قلب استراتيجية الأمن القومي والسياسة الخارجية المصرية المصرية. إن الدول الافريقية ترفض منطق الحقوق التاريخية المترتبة على اتفاقيات في عصر الاستعمار، كما ترفض البقاء داخل دائرة التخلف، ولا تقبل بمنطق التعالي والغطرسة.

هذا كله يصب في ضرورة تخلي المفاوض المصري عن منطقه القديم الذي تسبب في تجميد عضوية مصر في مبادرة حوض النيل. إن مصر سوف تتعرض لا محالة لأضرار من إقامة سد النهضة الإثيوبي، كما قد تتعرض أيضا لإضرار من مشروعات تعتزم دول من بينها السودان إقامتها على النيل لتعزيز التنمية المحلية. هذه الأضرار التي ستتعرض لها يجب التعاون لتقليلها إلى الحد الأدنى الممكن، مع وضع آليات عاجلة للتعامل مع كل الاحتمالات المتوقعة، بما فيها فترات الجفاف والفيضانات العالية، وقواعد استغلال مصادر المياه المتوفرة، بما في ذلك تعظيم الفوائد المشتركة من مياه الأمطار المهدرة في المستقبل.
#Ibrahim_Nawar

د.ابراهيم نوار

باحث متخصص في العلاقات الاقتصادية والنزاعات الدولية

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.