مقالات

  29-04-2023

السودان ومن أين سيأتي حل الأزمة إقليميا أم دوليا؟

لاشك أننا جميعا في مرارة مما يحدث لأشقائنا ساكني الشطر الجنوبي من وادي النيل نكاد جميعًا نصبح ونمسي على تلك الأهوال المفزعة لشعب طيب أصيل لايستحق هذا الدمار الداخلي من تلك الحرب الضروس التي لن تبقي على أخضر أو يابس لو امتد أجلها ،
لذلك بدأت مساعي الحلول سواء على النطاق الدولي أو الافريقي أوالعربي
وزيرا خارجية أمريكا وبريطانيا عقدا جلسة خاصة بحثا فيها الموضوع السوداني
في الوقت الذي دخل فيه القتال بين قوات الجيش السوداني بقيادة الفريق /عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق/ حميدتي اسبوعه الثاني و ينشط حديث الوساطات من أجل وقف الاقتتال وإنهاء معاناة المدنيين داخل السودان
وفي الوقت الذي تنشط فيه الوساطات لا يعرف أحد من أين سيأتي الحل وهل سيكون عبر وسطاء الإقليم أم أنه سيأتي عبر ضغوط من قوى غربية ظلت ضالعة في مسيرة الانتقال الديمقراطي في السودان لفترة طويلة، وهي المسيرة التي بدا أن الحرب الحالية قد أطاحت بها، ورغم ما قالته الخارجية السودانية في بيانها بعد قرار الفريق البرهان بحل قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي من أن حل الأزمة في السودان هو داخلي فإن الواقع يبدو متنافيًا مع ذلك إذ يتفق كثيرون على أن كلا طرفي الصراع له علاقاته وارتباطاته بقوى إقليمية ناهيك عن الدور الذي تلعبه قوى دولية في ملف الإنتقال الديمقراطي في السودان.
وكانت الخارجية السودانية قد قالت بالفعل في بيان لها الإثنين 17 إبريل أن التوصل إلى التسوية المطلوبة في البلاد، هو شأن داخلي ينبغي أن يترك للسودانيين بعيدا عن التدخلات الدولية وقالت إنها "تقدر جهود الدول العربية والأفريقية والمجتمع الدولي الرامية للمساعدة في تهدئة الأحوال في البلاد إلا أنها تؤكد أن هذا الأمر "شأن داخلي".
لكن نجد أن هناك ضغوطًا دولية غربية وافريقية وعربية تدخلت لطلب هدنة إنسانية لإجلاء الرعايا الأجانب ومع ذلك استمرت المعارك رغم الهدنة.
بل لاح في الافق خروج عدد من قادة نظام البشير من السجن بعد اقتحامه وتجدد القتال بين طرفي النزاع بمحيط مدينة الخرطوم وخاصة حول المواقع الحيوية من القصر الجمهوري ومطار الخرطوم الدولي ومقر وزارة الدفاع السودانية وأصبح الوضع كر وفر وأقرب إلى حرب عصابات بالشوارع ويدفع الثمن المواطن السوداني البسيط الذي حرم من كافة الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وغذاء وأمن وبرغم اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت لكن الوضع سيء .
ويبدو الطرفان الغربيان في الرباعية الخاصة بالسودان وهما الولايات المتحدة وبريطانيا حتى الآن هما أكثر دولتين تمارسان ضغوطًا يحسب حسابها في مجال السعي لإنهاء الاقتتال الحاصل في البلاد وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد عقد اجتماعًا منفصلًا مع نظيره البريطاني جيمس كليفرلي على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع المنعقد في اليابان
وبعد الاجتماع أكد بلينكن على أن محادثات الانتقال الديمقراطي في السودان كانت واعدة فيما يتعلق بوضع البلاد على مسار الانتقال الكامل نحو حكومة مدنية مضيفًا أن هناك وجهة نظر مشتركة لدى الحلفاء بضرورة وقف القتال فورًا والعودةللمحادثات، وقال بلينكن أن شعب السودان يريد عودة الجيش إلى ثكناته ويريد الديمقراطية.
تواصل بلينكن مع كل من السعودية والإمارات، وهما العضوان العربيان بالرباعية الخاصة بالسودان، حيث تناول مع مسؤولي البلدين سبل إنهاء الأزمة الحالية في السودان كما أجرى محادثتين منفصلتين مع كل من الفريق البرهان والفريق حميدتي أعرب فيهما عن "قلق الأمريكان البالغ حيال مقتل وجرح العديد من المدنيين السودانيين جراء القتال المستمر والعشوائي".
نجد أيضًا أنه على جانب المنظمة الأممية وخلال الجلسة المغلقة التي عقدها مجلس الأمن الدولي لمناقشة الأزمة الإثنين 17 إبريل، قال رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان "فولكر بيرتيس" في مداخلة عبر الفيديو أمام الجلسة أن الوضع علي الأرض سيء جدًا .
أرى أن الضغوط الأمريكية والبريطانية هي الأكثر نجاحًا وأن الحل قد يأتي من قبل الرباعية الخاصة بالسودان وأن الولايات المتحدة على وجه الخصوص قد استثمرت كثيرًا في عملية التحول الديمقراطي في السودان وأنها لن تقبل بانهيار عملية التحول بصورة مفاجئة .
أما عن الجهود الأفريقية فأتوقع أن هذا القبول الواسع الذي يحظى به الطرف الإفريقي لدى طرفي الصراع في السودان ربما يكون مؤهلًا أكثر من غيره للتوصل إلى حل الأزمة، حيث يلعب دور الوسيط مفوض الاتحاد الأفريقي السيد /موسى فكي وفريق من مجلس السلم والأمن الأفريقي يحمل مبادرة لوقف إطلاق النار بين الجانبين وهناك محاولات مستمرة لوصول المسؤولين الأفارقة للخرطوم ومن المتوقع أن يتم ذلك في أي وقت كما أن "موسى فكي" يجري اتصالات مستمرة بطرفي الصراع لإفساح المجال للوساطة الأفريقية وتأكيد الالتزام بالهدنة الإنسانية ،
كما أرى، آخذا في الاعتبار صراعات إفريقية سابقة تدخل فيها الاتحاد الإفريقي، أن الاتحاد هو الأكثر قبولًا لدى كل الأطراف السياسية والعسكرية في السودان وربما يفلح الاتحاد "في حالة الدخول بكل ثقله" في إنهاء الاقتتال الدائر هناك.
أما الجانب الذي يعنينا، وهو الجانب العربي، فربما يبدو وفق العديد من المراقبين الأقل فاعلية فيما يتعلق بالجهود الرامية لوقف إطلاق النار بين المتحاربين، وبعيدا عن المؤسسة الرسمية وهي الجامعة العربية فقد أعرب الرئيس/ عبد الفتاح السيسي عن استعداده للوساطة، كما أجرت كل من الخارجية السعودية والمصرية اتصالات مع طرفي النزاع .
أما على مستوى العمل الرسمي العربي متمثلا في الجامعة العربية فللأسف الجامعة لم تقم سوى بإجراءاتها الروتينية التي اعتادت عليها مع كل أزمة تندلع في أي بلد عربي إذ عقدت اجتماعًا طارئًا الأحد 16 إبريل بناء على دعوة السعودية ومصر لمناقشة الوضع في السودان وفي بيان لها بعد الاجتماع دعت الجامعة إلى الوقف الفوري لكافة الاشتباكات المسلحة في السودان، مؤكدة على أهمية العودة السريعة إلى المسار السلمي لحل الأزمة وشدد البيان على أهمية التأسيس لمرحلة جديدة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني محذرًا من خطورة التصعيد العنيف الذي تشهده البلاد!!!!
وللأسف لا أتوقع، على المستوي الشخصي، أن تكون الجامعة العربية قادرة على فعل أكثر من ذلك في تلك المرحلة وأرى وكثير من المتابعين للشأن العربي أن المؤسسة باتت مشلولة وغير فاعلة وأن سجلها في التعامل مع أزمات كبرى سابقة في عدة دول عربية مثل سوريا وليبيا واليمن ،ناهيك عن فلسطين، يثبت أنها ستنهج نفس النهج في الأزمة السودانية وأنها ستنتظر أن يأتي الحل من قوى دولية كبرى، بينما تكتفي بموقف المتفرج.
أخيرًا آمل أن تأخذ مصر زمام المبادرة وتستضيف الأطراف المتصارعة مع الرباعية الدولية لإيجاد حل جذري للأزمة ووضع أطر لتراجع الأطراف عن حمل السلاح والجلوس على مائدة الحوار دون شروط مسبقة، والمناداة بحتمية العودة للمسار الديمقراطي للحكم في السودان الشقيق .

حفظ الله شعب السودان الطيب المعطاء أبناء وادي النيل.

إسلام الضبع
المحامي بالنقض
امين الحقوق والحريات
عضو المكتب السياسي بالحزب

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.