مقالات

  23-04-2023

السودان بين كابوس الحرب الأهلية ووطأة الانسداد السياسي

وصل المشهد السياسي السوداني في الأيام الماضية إلى مرحلة "الانفجار" وهي المرحلة التي يجد المتابع لمسار وتطورات المشهد، أنها بدأت مع الانقلاب الذي شهدته البلاد في أكتوبر 2021، عندما تم الإطاحة بالمكون المدني من الحكم، فالأزمة الراهنة وتجلياتها المتمثلة في الحرب التي اندلعت بين الجيش الوطني النظامي بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وميليشيات الدعم السريع التي يقودها الجنرال محمد حمدان دقلو "حميدتي"، هي نتاج واضح لتبني المكون العسكري نهج إقصائي تجاه المكون المدني، والتعامل مع المشهد بنهج متفرد وقصير المدى، يستهدف "تسكين" الأزمة الكامنة عبر الدفع باتجاه إنجاز اتفاق سياسي غير واضح المعالم، وهو الاتفاق الذي وُلدت من رحمه الخلافات العسكرية – العسكرية في السودان، في ضوء الإصلاحات الأمنية المبتغاة وعلى رأسها عملية الدمج بين المكونات العسكرية السودانية، والمدى الزمني لذلك، فضلاً عن كون هذه الحرب نتاجاً طبيعياً لتضارب الأجندات الإقليمية على الأراضي السودانية، وهي الأجندات التي غذت بشكل رئيسي هذه الحالة، ودفعت باتجاه "الانفجار".

بالنظر إلى الواقع الميداني والعسكري لطرفي الصراع في السودان نجد أن كافة المؤشرات تُرجح كفة الجيش الوطني السوداني، ففي الوقت الذي تبلغ فيه أعداد القوات العاملة في الجيش السوداني نحو 189 ألف جندي، بالإضافة إلى 105 ألف من جنود الاحتياط، يصل عدد جنود قوات الدعم السريع إلى نحو 100 ألف جندي، كذلك تملك قوات سلاح الجو التابعة للجيش السوداني 191 طائرة (45 طائرة مقاتلة و81 طائرة هجومية، و23 طائرة شحن عسكري و11 طائرة تدريب) وفي المقابل لا تملك قوات الدعم السريع أي طائرات، فضلاً عن تفوق الجيش السوداني على مستوى امتلاك الدبابات والمركبات القتالية ومنصات الصواريخ، وهو ما يعكس مدى تفوق الجيش السوداني من حيث التعداد والمعدات العسكرية، الأمر الذي يعزز من فرصه في تحقيق التقدم العسكري على الأرض.

ومع التسليم بتفوق الجيش الوطني السوداني إلا أن هذه الاعتبارات ليست كافية لحسم المعركة الميدانية لصالح الجيش السوداني، إذ تملك قوات الدعم السريع بعض عناصر القوة، وعلى رأسها الدعم الخارجي الذي تملكه، والخبرات القتالية الكبيرة التي يتمتع بها مقاتلوا هذه الميليشيات إثر مشاركتهم في العديد من الحروب الخارجية، فضلاً عن الاقتصاديات الكبيرة التي تتمتع بها قوات الدعم السريع، خصوصاً مع سيطرتها على تجارة الذهب في السودان، والعديد من المفاصل الاقتصادية بالبلاد، كذلك يجب وضع حالة التقارب التي حدثت في الآونة الأخيرة بين المكون المدني السوداني وميليشيا الدعم السريع في الاعتبار، حيث بدأ الجنرال "حميدتي" منذ أشهر في تبني خطاب يقوم على التبرأ من انقلاب أكتوبر 2021، وتحميل المسؤولية كاملةً للبرهان، وقد انساقت بعض قوى الحرية والتغيير وراء هذه السردية من قائد الدعم السريع، بل وراحت تعتبر أن قوات الدعم السريع هي "جيشها"، في مواجهة الجيش النظامي الذي تصفه بأنه "جيش الكيزان"، أي جيش النظام السابق.

إن فشل الهدنة الإنسانية التي تم الإعلان عنها منذ يومين يمثل مؤشراً مهماً يعكس أن طرفي الأزمة في السودان، يراهنان بشكل كبير على تحقيق انتصار عسكري أو على أقل تقدير تقدم ميداني "انتصار عسكري غير كامل"، يُمكن ترجمته إلى مكاسب سياسية عند الجلوس على طاولة المفاوضات في مرحلة لاحقة، ما يعني أننا أمام معركة قد تستمر لأسابيع، وقد تستمر لأشهر، لكن مع حرب الاستنزاف وحرب "الشوارع" التي تعمل قوات الدعم السريع على جر الجيش إليها، فإن أمد المواجهات قد يطول، فضلاً عن أن عوامل القوة التي تتمتع بها قوات الدعم السريع، قد تساهم في تغيير المعادلات الميدانية.

المؤكد أن الحرب الجارية في السودان سوف "تُجمد" المسار السياسي في البلاد لحين إشعار آخر، أو بمعنى أدق لحين تغليب الطرفين للغة الحكمة والعقل، خصوصاً مع الضغوط الإقليمية والدولية عليهما، بما يدفعهما للجلوس على طاولة المفاوضات، لكن الإشكال الرئيسي يتمثل في أن الطرفين سوف يرغبان في الجلوس على طاولة المفاوضات مع تحقيق تقدم ميداني كبير يمكن توظيفه لتحقيق مكاسب سياسية، وهو الأمر الذي سيطيل من أمد المعارك، وسوف يكون الشعب السوداني بكل تأكيد هو الخاسر الأكبر من هذه الحرب، سواءً على مستوى تعداد الضحايا الذين يلقون حتفهم يومياً إثر المعارك الجارية، أو على مستوى حالة الانسداد والفراغ السياسي التي ستعيشها البلاد، فضلاً عن دفع الحرب باتجاه تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

محمد فوزي

كاتب وباحث

عضو لجنة الشؤون السياسية بالحزب

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.