مقالات

  14-02-2019

الحلقة الثانية : مدى مشروعية مقترحات تعديل دستور 2014 ..دراسة فقهية وعملية .

دراسة قانونية: للمستشار الدكتور حمدى ياسين

الحلقة الثانية:

((التعديلات الدستورية في شأن القضاء))

ونبين التعديلات الدستورية المقترحة في شأن القضاء في البنود الخمسة التالية:

أولا - في شأن تعيين رئيس الجمهورية لرؤساء الجهات والهيئات القضائية.

ثانياً - في شأن إنشاء مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية.

ثالثاً - في شأن تعيين رئيس الجمهورية للنائب العام وبطلان التعديل الوارد على الفقرة الثانية من المادة (189).

رابعاً - في شأن اختصاصات مجلس الدولة.

خامساً - في شأن تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا ونائبه ورئيس هيئة المفوضين بها.

أولاً

((في شأن تعيين رئيس الجمهورية لرؤساء الجهات والهيئات القضائية))

تعديل أم تكبيل:

شملت تعديلات الدستور المقترحة نص المادة (85) من الدستور لتكون كما يلي:

النص الساري:

نصت مادة 185 من الدستور الحالي، على أن:

(تقوم كل جهة، أو هيئة قضائية على شئونها، ويكون لكل منها موازنة مستقلة، يناقشها مجلس النواب بكامل عناصرها، وتدرج بعد إقرارها في الموازنة العامة للدولة رقماً واحداً، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المنظمة لشئونها).

النص وفقاً للتعديل المطروح :

نصت مادة 185 من الدستور وفقاً للتعديل المطروح، على أن:

(تقوم كل جهة أو هيئة قضائية على شؤونها، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المنظمة لشؤونها.

ويعين رئيس الجمهورية رؤساء الجهات والهيئات القضائية من بين خمسة ترشحهم مجالسها العليا من بين أقدم سبعة من نوابها، وذلك لمدة 4 سنوات أو للمدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون.

ويقوم على شؤونها المشتركة مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية يترأسه رئيس الجمهورية وعند غيابه يحل محله وزير العدل ويختص بالنظر في شروط تعيين أعضاء الجهات والهيئات، ويُبين القانون تشكيل المجلس واختصاصاته الأخرى وقواعد سير العمل به).

ولقد شاب هذه المادة العديد من العيوب الدستورية التالية:

(1) الاعتداء على مبدأ (استقلال القضاء):

إن استقلال القضاء هو العقيدة القائلة بأن السلطة القضائية، وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات، يجب أن تكون غير خاضعة لنفوذ أي سلطة أخرى سواء السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية أو لنفوذ المصالح الخاصة أو السياسية، وبعبارة أخرى ما يسمى فصل بين السلطات الذي يمكن تلخيصه بمقولة لادوارد جيبون صاحب كتاب "اضمحلال وسقوط الامبراطورية الرومانية"، والتي تعود إلى عام 1776، بأن

((مزايا أي دستور حر تعدو بلا معنى حين يصبح من حق السلطة التنفيذية أن تعين أعضاء السلطة التشريعية أو القضائية)).

إن استقلال القضاء ليس ترفاً، وليس خياراً للشعوب أو الحكام، بل هو حتمية حياة وضرورة وجود، بغيره يأكل القوى فينا الضعيف، ويفتقد المظلوم من يلوذ به ويثق في استقلاله ونزاهته، وهو صمام الأمان للمتقاضي قبل القاضي.

فالقضاء يقوم بجانب السلطتين التشريعية والتنفيذية بأداء رسالة هي بطبيعتها مستقلة عن هاتين السلطتين‏،‏ وقد اهتم أول دستور لمصر‏( دستور‏1923) بإبراز هذه الحقيقة‏,، فنص في المادة‏ (124)‏ منه علي أن "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون‏، وليس لأية سلطة في الحكومة التدخل في القضاء"‏.‏

وقد كرست هذه المادة استقلال القضاء عن السلطة التشريعية‏، فجعلت السلطة على القضاء للقانون وحده‏، كما كرست استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، فحرمت عليها التدخل في القضايا‏,، وحالت بينها وبين القضاء فتركت له الحرية التامة في الفصل في الخصومات دون أي تأثير من جانبها‏.

وقد أوجبت المواد ‏166,165,65‏ من دستور‏ ‏1971‏ استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية بما نصت عليه من أن

تخضع الدولة للقانون‏، وأن استقلال القضاء وحصانته ضمانتان أساسيتان لحماية الحقوق والحريات‏،

وأن السلطة القضائية مستقلة‏، وتتولاها المحاكم علي اختلاف أنواعها ودرجاتها‏، وتصدر أحكامها وفق القانون‏،

وأن القضاة مستقلون،‏ لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون،‏ ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا أو في شئون العدالة‏،

بما مفاده أن استقلال القضاء ركن أساسي في مبدأ الشرعية بوجه عام وضمان لسيادة القانون‏(‏أي المشروعية‏).

واستقلال القضاء يعني تحرر سلطته من أي تدخل من جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية‏، وخاصة في تعيين القُضاة، وعدم خضوع القضاة لغير القانون‏.

وليس من شك في أن هذه النصوص تستمد أصولها مما ورد في المذكرة الإيضاحية لقانون استقلال القضاء رقم ‏66‏ لسنة ‏1943‏ والتي جاء فيها أن:

"الدستور المصري أبرز حقيقة استقلال القضاء ولم يخلقها‏، فمن طبيعة القضاء أن يكون مستقلاً والأصل فيه أن يكون كذلك‏، ‏ وكل مساس بهذا الأصل من شأنه أن يعبث بجلال القضاء‏،

وكل تدخل في عمل القضاء من جانب أية سلطة من السلطتين الأخريين يخل بميزان العدل‏، ويقوض دعائم الحكم‏، فالعدل كما قيل قديماً أساس الملك.

(2) سابقة التعدي على استقلال القضاء في أمر تعيينهم وتعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية تمنع السلطتين التنفيذية والتشريعية من استمراء هذا التعديل الدستوري:

أ - لم يعد مجلس النواب ورئيس الجمهورية في موقف محايد بما جرى عام 2017، حيث صدر في 27 إبريل عام 2017 القانون رقم (13) لسنة 2017 في شأن طريقة اختيار رؤساء الجهات القضائية في مصر،

بمنح رئيس الجمهورية سلطة تقديرية في تعيين رؤساء الهيئات القضائية، دون إعمال مبدأ الأقدمية،

وقد كان هذا التعديل مستهدفاً بعض رؤساء الهيئات القضائية المغضوب عليهم ومنهم من قضى قضاءً يصون به أرض ومياه البلاد وعدم التفريط في حدودنا لصالح دولة أخري، وطال التنفيذ استبعاد رئيس الجهة القضائية الشرعي، وتعيين القاضي الرابع في الترتيب من حيث الأقدمية، متجاوزاً بذلك ترشيح الجمعية العمومية لمجلس الدولة للأقدم بالإجماع،

ومتخطياً القضاة الثلاثة الأقدم بتعيينه للرئيس الجديد،

كما قام البرلمان بالاعتداء على حجية الحكم القضائي البات والنهائي، وناقش المسألة المحظور عليه مناقشتها، وأقر التنازل عن الأرض والمياه بالمخالفة للدستور.

ب – أن تعيين رؤساء الهيئات القضائية من رئيس الجمهورية (قمة السلطة التنفيذية) فيه تكريس لتوجه الاعتداء على استقلال القضاء،

والتعدي على مبدأ الفصل بين السلطات،

وهو تعديل يلغي اختصاصات الجمعيات العمومية في اختيار رؤساء جهاتها وهيئاتها، وفيه يتولى رئيس الجمهورية تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية من بين خمسة ترشحهم مجالسها العليا من بين أقدم سبعة من نوابها،

كما أنه تعديل يسلط فيه خمسة من أقدم سبعة على عضوين آخرين من أعضاء المجالس أو المجلس الخاص، إذ يستطيع خمسة من الأعضاء الاتفاق فيما بينهم على اختيار أنفسهم دون الباقي، مما يوقع البغضاء والضغينة داخل الجهات والهيئات القضائية.

جـ - إن هذا التعديل الدستوري يستهدف تلافي العيوب الدستورية التي شابت القانون رقم (13) لسنة 2017 والتي لا محالة من الحكم بعدم دستوريته، لإضفاء الشرعية على ما سبق ارتكابه، وقد يكون ذلك للقضاء بعدم قبول الدعاوى الدستورية المقامة لانتفاء المصلحة، ومن ثم هو تعديل يشوبه الانحراف في استعمال السلطة في تعديل الدستور،

بما يتعين معه على مجلس النواب ورئيس الجمهورية أن لا يعرضوا السلطتين التشريعية والتنفيذية لهذا الخزي والعار في تولي الأمانة.

د - إن التعديل المقترح بالمادة (185) يتصادم ويتعارض مع التزامات رئيس الجمهورية المبينة بالمادة (139) من دستور 2014 ذاته

التي أوجبت على رئيس الجمهورية أن يلتزم بأحكام الدستور ويُباشر اختصاصاته على النحو المبين به،

ومن ثم فإن هذا التعديل ليس فيه التزام بالدستور، بل اعتداء عليه، كما أنه بموجب التعديل يباشر اختصاصاً لم يتقرر له بالدستور، ولو أراد المشرع الدستوري لرئيس الجمهورية أن يباشر اختصاص تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية، أو رئاسة مجلس من مجالس القضاء لنص عليه ضمن اختصاصات رئيس الجمهورية بالمواد من (139) إلى (162).

هـ - إن هذا التعديل المشؤوم يتصادم ويتعارض ويعتدي على نصوص المواد (184) و (185) و (186) من الدستور:

1 – نص المادة 184 من الدستور التي أكدت بوضوح لا إبهام فيه أن السلطة القضائية مستقلة، ... والتدخل في شئون العدالة أو القضايا، جريمة لا تسقط بالتقادم،

إن أهم مقومات الاستقلال هو اختيار القاضي ورؤساء الجهات والهيئات القضائية دون تدخل من رئيس الجمهورية، فتدخله في هذا الشأن هو تدخل في شئون العدالة، ويمثل جريمة لا تسقط بالتقادم.

2 – نص المادة 185 من الدستور التي جعلت كل جهة، أو هيئة قضائية تقوم على شئونها، ويكون لكل منها موازنة مستقلة، يناقشها مجلس النواب بكامل عناصرها، وتدرج بعد إقرارها في الموازنة العامة للدولة رقماً واحداً، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المنظمة لشئونها.

3 – نص المادة 186 من الدستور التي جعلت (القضاة مستقلون) غير قابلين للعزل، لا سلطان عليهم في عملهم لغير القانون، وهو ما يتعارض مع منح رئيس الجمهورية سلطة التعيين في هذا المجال،

والذي يترتب عنه منح الرئيس سلطان على من يختارهم في عملهم، ويحدد القانون شروط وإجراءات تعيينهم بما لا يتعارض مع الدستور،

وأكدت ذات المادة على أن ذلك كله بما يحفظ استقلال القضاء والقضاة وحيدتهم، ويحول دون تعارض المصالح،

فكيف لمن اختير لرئاسة جهة قضائية بناء على تفضيل واستحسان رئيس الجمهورية أن يقضي في الدعاوى والطعون التي تقام على رئيس الجمهورية أو منه.

ثانياً - في شأن إنشاء مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية:

جاء الشق الثاني من تعديل المادة (185) من الدستور، متضمناً النص على أن:

(ويقوم على شؤونها المشتركة – شئون الجهات والهيئات القضائية - مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية

يترأسه رئيس الجمهورية وعند غيابه يحل محله وزير العدل،

ويختص بالنظر في شروط تعيين أعضاء الجهات والهيئات، ويُبين القانون تشكيل المجلس واختصاصاته الأخرى وقواعد سير العمل به).

وقد شاب النص العيوب الدستورية التالية:

(1) شمل هذا التعديل تناقضاً واضحاً بين الفقرة الأولى من المادة (185) محل التعديل، وبين الفقرة الثالثة منها،

حيث تتصدر المادة في الفقرة الأولى منها النص بأن (تقوم كل جهة أو هيئة قضائية على شؤونها، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المنظمة لشؤونها)،

بينما تنص الفقرة الثالثة من ذات المادة على أن (ويقوم على شؤونها المشتركة، (شئون الجهات والهيئات القضائية)، (مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية)

يترأسه رئيس الجمهورية وعند غيابه يحل محله وزير العدل،

فمن الذي يقوم على شئون الجهات والهيئات القضائية؟؟؟ أهو (كل جهة أو هيئة قضائية) كما بالفقرة الأولى؟؟؟، أم (المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية)، كما أفادت الفقرة الثالثة من المادة نفسها؟؟؟.

ولا يغير من التناقض أن تضاف بالنسبة لمجلس القضاء الأعلى كلمة (المشتركة) ليكون هذا المجلس قائماً على شئون الجهات والهيئات القضائية (المشتركة)،

ذلك أن شئون كل جهة أو هيئة هي من اختصاص الجهة ذاتها أو الهيئة نفسها، فكيف يمكن أن تسلط جهة أو هيئة سلطتها على تلك الشئون بدعوى أنها (شئون مشتركة) ؟؟؟

فلا يجوز أن يكون للجهات أو الهيئات القضائية، أي تدخل في شأن أي جهة أو هيئة قضائية، وإلا كان ذلك تعديا بينها على بعضها البعض.

(2) كيف يمكن للجهات والهيئات القضائية أن يكون لها استقلالها، وقد شمل التعديل العصف بهذا الاستقلال، حين حذف تماماً النص الدال على الاستقلالية الذي كانت عليه المادة (185) من الدستور الساري، والتي كانت تجري على أن (تقوم كل جهة، أو هيئة قضائية على شئونها، ويكون لكل منها موازنة مستقلة، يناقشها مجلس النواب بكامل عناصرها، وتدرج بعد إقرارها في الموازنة العامة للدولة رقماً واحداً، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المنظمة لشئونها).

فبدون موازنة مستقلة تدرج في الموازنة العامة للدولة رقماً واحداً، لا يكون ثمة استقلال للسلطة القضائية،

وكانت المحكمة الدستورية العليا قد أكدت على أن (المواد (168، 169، 170، 172) المتعلقة باستقلال السلطة القضائية وحصانة واستقلال القضاة، واختصاصات محاكم السلطة القضائية، التي وردت في دستور سنة 2012، تطابق في مجملها الأحكام الواردة في المواد (4، 9، 53، 92، 94، 97، 98، 184، 185، 186، 188) من الدستور القائم). (المحكمة الدستورية العليا – القضية رقم 84 لسنة 35 قضائية – جلسة 24/9/2016).

(3) إن من أكثر التعديات على استقلال القضاء ترأس رئيس الجمهورية مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية، وعند غيابه يحل محله وزير العدل،

فليس لأيهما ثمة صفة في التغول على حق الجهات والهيئات القضائية في قيام كل منها بشئونها،

فمن غير المقبول أن ينص الدستور على تولي رئيس هيئة قضائية رئاسة اجتماعات رئيس الجمهورية مثلاً أو مجلس الوزراء، أو ترأس مجلس النواب، ذلك أن الفصل بين السلطات يمنع ذلك فيكون تمكين رئيس الجمهورية أو وزير العدل من ترأس مجلس أعلى للقضاء تدخلاً في شئون القضاء مما يمثل جريمة لا تسقط بالتقادم.

(4) أن من شأن هذا التعديل المشئوم أن يلحق (القضاء العسكري) - مع كل الاحترام له وما يستهدفه من غايات - ضمن أعضاء تلك الجهات والهيئات القضائية بالمجلس الأعلى للقضاء، باعتبار ما نصت عليه المادة (104) من الدستور الحالي على أن (القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة)، وهو ما يؤثر على سير العدالة في المجلس المقترح.

(5) أن القضاء خاض العديد من المعارك من أجل استقلاله من التبعية للسلطة التنفيذية،

وعلى سبيل المثال مجلس الدولة حيث جاء القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة، ناصاً على أن (يكون مجلس الدولة هيئة مستقلة (تلحق برياسة الجمهورية)،

ثم جاء القانون رقم 27 لسنة 1968 بتعديل المادة الأولى من قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 ليجعل مجلس الدولة هيئة مستقلة (وتلحق بوزير العدل)،

ثم جاء القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة لتنص المادة (1) منه على أن: (مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة تلحق بوزير العدل)،

حتى جاء الاستقلال عن تلك التبعية والإلحاق فصدر القانون رقم 136 لسنة 1984 بشأن تعديل بعض أحكام القرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة لتستبدل تلك المادة ولتكون:

مادة (1) (مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة)، دون أي إلحاق المجلس بأي جهة سواء برئاسة رئيس الجمهورية أو رئاسة وزير العدل عند غياب الرئيس.

وألغت المادة (3) منه وجود المجلس الأعلى للهيئات القضائية ليحل محله (المجلس الخاص للشئون الإدارية)،

وورد بتقرير لجنة الشئون التشريعية والدستورية: (إنه لا مشاحة أن من أبرز مظاهر الاستقلال بالنسبة لمجلس الدولة عدم تبعيته لأحد، وتولي شئونه بمعرفة المجلس الخاص للشئون الإدارية).

ولذلك فإن نضال الشعب المصري ونضال القضاة لن يتوقف عن التمسك باستقلال القضاء،

وساقط لا محالة نص المادة (185) من التعديلات الدستورية لعدم مشروعيته الدستورية ولضربه استقلال القضاء والاعتداء على مبدأ الفصل بين السلطات.

ثالثاً - في شأن تعيين رئيس الجمهورية للنائب العام وبطلان التعديل الوارد على الفقرة الثانية من المادة (189):

النص الساري:

تنص المادة الفقرة الثانية من المادة (189) من الدستور الحالي على أن:

(ويتولى النيابة العامة نائب عام يختاره مجلس القضاء الأعلى، من بين نواب رئيس محكمة النقض، أو الرؤساء بمحاكم الاستئناف، أو النواب العامين المساعدين،

ويصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات، أو للمدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد، أيهما أقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله).

النص وفقاً للتعديل المطروح:

بينما يأتي نص الفقرة الثانية من المادة (189) من الدستور وفقاً للتعديل المطروح، على أن:

(ويتولى النيابة العامة نائب عام يصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى من بين نواب رئيس محكمة النقض أو الرؤساء بمحاكم الاستئناف أو النواب العموم المساعدين،

وذلك لمدة 4 سنوات، أو للمدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب ولمرة واحدة طوال مدة عمله).

العيوب الدستورية التي شابت تعديل الفقرة الثانية من المادة (189) من الدستور:

(1) الاعتداء على سلطة مجلس القضاء الأعلى في اختيار النائب العام:

أ – التعديل يعتدي على السلطة التقديرية لمجلس القضاء الأعلى في تخير النائب العام، ويقصر سلطته على أن يتخير ثلاثة من بين نواب رئيس محكمة النقض، أو الرؤساء بمحاكم الاستئناف، أو النواب العامين المساعدين، وهو ما يتنافى مع استقلال القضاء،

كما أن ذلك يسلب المجلس الأعلى للقضاء السلطة النهائية لاختيار النائب العام.

ب - أن هذا الاعتداء على استقلال جهة من جهات القضاء هو أمر غير مسبوق في الدساتير السارية والتالية،

فدستور 2014 لم يعتد على سلطة المجلس الأعلى للقضاء في تخير النائب العام ولم يكن لرئيس الجمهورية سوى إصدار القرار اللازم لذلك،

ودستور 2012 الذي تم إقراره في عهد تولي الإخوان للسلطة، نصت المادة (173) منه على أن: (ويتولى النيابة العامة نائب عام يعين بقرار من رئيس الجمهورية، بناء على اختيار مجلس القضاء الأعلى، من بين نواب رئيس محكمة النقض والرؤساء بالاستئناف والنواب العامين المساعدين، ...).

(2) تمكين رئيس الجمهورية من اختيار النائب العام دون أي قاعدة منضبطة:

وهو عيب يهدر استقلال القضاء إذ يتيح لرئيس الجمهورية التدخل في شأن من شئون العدالة بغير حق،

فيمنح للسلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية الحق في تخير النائب العام من بين الثلاثة الذين يرشحهم المجلس الأعلى للقضاء، فله أن يختار أحدهم كما يروق له، وليس من شك أن في ذلك نوع من الإرهاب والإيماء بمراعاة ما يتجه له رئيس الجمهورية في شأن عمل النيابة العامة وإقامة الدعاوى الجنائية، بما يُعد تدخلاً في شئون القضاء وضرباً لاستقلاله.

رابعاً - في شأن اختصاصات مجلس الدولة:

النص الساري:

تنص المادة (190) من دستور 2014 الساري على أن:

(مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، كما يختص بالفصل في الدعاوى والطعون التأديبية، ويتولى وحده الإفتاء في المسائل القانونية للجهات التي يحددها القانون، ومراجعة وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية، ومراجعة مشروعات العقود التي تكون الدولة، أو إحدى الهيئات العامة طرفاً فيها، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى).

النص وفقاً للتعديل المطروح:

تنص المادة (190) من دستور 2014 وفقاً للتعديل المطروح على أن:

(مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، كما يختص بالفصل في الدعاوى والطعون التأديبية، ويتولى الإفتاء في المسائل القانونية للجهات التي يحددها القانون، ومراجعة وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية التي تحال إليه، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى).

التعديات المطروحة بتعديل النص المتعلق باختصاصات مجلس الدولة:

(1) عدم مشروعية حذف كلمة (وحده) من النص الساري:

بما يفيد أن التعديل يهدف دون الاختصاص الحصري للمجلس بتولي الإفتاء في المسائل القانونية، وأنه يمكن أن يسند إلى جهة قضائية أو هيئة قضائية أو جهة إدارية أخرى، اختصاصاً بتولي الإفتاء في المسائل القانونية،

وهو ما من شأنه المساس باختصاص واضح وصريح لمجلس الدولة بتولي مهمة الإفتاء (وحده)، وهي المهمة التي ظلت لمجلس الدولة دون غيره منذ نشأة مجلس الدولة عام 1946 وحتى الآن،

فأي اعتداء أثيم ينطوي عليه التعديل المطروح بالتعدي على الاختصاص الذي أداه مجلس الدولة على مدى (72) سنة صان فيها المشروعية،

وهو ما يؤثر من جهة أخرى على اختصاصات الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، وبخاصة الاختصاص المقرر بالبند (د) من المادة (66) من قانون مجلس الدولة بشأن المنازعات التي تنشأ بين الوزارات أو بين المصالح العامة أو بين الهيئات العامة أو بين المؤسسات العامة أو بين الهيئات المحلية أو بين هذه الجهات وبعضها البعض، والتي يكون رأي الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع في هذه المنازعات ملزماً للجانبين.

(2) عدم مشروعية قصر اختصاص مجلس الدولة في مراجعة وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية، على تلك المشروعات والقرارات ((التي تحال إليه فقط))، دون غيرها،

وهو ما ينطوي على إلغاء اختصاص مجلس الدولة بمراجعة وصياغة مشروعات القوانين التي يقدمها أعضاء مجلس النواب كاقتراح بقانون من جهة،

وإلغاء وجوب مراجعة مجلس الدولة لجميع مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية دون استثناء

لتقليص دور المجلس واختصاصاته وجعلها فقط مقصورة على ((تلك التي تحال إليه))، فيصير للحكومة ووزاراتها أن تحيل تلك المشروعات للمراجعة والصياغة متى شاءت وألا تحيل جزء منها، أو لا تحيل أي منها إلى مجلس الدولة،

وهو اعتداء جسيم على اختصاص أصيل للمجلس لتمكين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية من إعداد مشروعات قوانينها وفق هواها، وهو ما سبق أن أكدته العديد من الإحصاءات الدالة على القضاء بعدم دستورية تلك القوانين التي لم يتم مراجعتها وصياغتها بمجلس الدولة، فضلاً عن أن السلطة التنفيذية كثيراً ما تشير في ديباجة نصوصها التشريعية أنها تمت بناء على ما ارتآه مجلس الدولة على حين أن تلك المشروعات لم تكن قد عُرضت من الأساس على المجلس للمراجعة والصياغة، أو تضع ما تراه من النصوص مهدرة رأي المجلس الذي ينير طريقها، مما يكشف النية المبيتة لتقويض سلطات مجلس الدولة.

(3) عدم مشروعية حذف اختصاص مجلس الدولة بمراجعة مشروعات العقود التي تكون الدولة، أو إحدى الهيئات العامة طرفاً فيها، بغير مبرر دستوري،

فجاءت سلطة طلب التعديل (قصيرة النظر) لأهمية مراجعة المجلس لمشروعات العقود التي تكون الدولة أو إحدى الهيئات العامة طرفاً فيها، وهو ما يعرض مشروعات تلك العقود للعديد من المطالبات من الطرف الآخر للعقد وتعريض تلك العقود لأن تكون محلاً للتحكيم الدولي،

وهو ما يكبد الدولة المزيد من الأعباء والتكاليف، ومن جهة أخرى فإن الانتقاص بوجه عام من اختصاص جهة قضائية هو ضرب للشرعية في مقتل، وقد يكون ب{{ باطن التعديل }} التمهيد لهيئة قضائية أو أخرى لتولي ذلك الاختصاص تحت الإشراف الإداري من السلطة التنفيذية.

ولقد ناضلت أجيال من قُضاة مجلس الدولة لصيانة وترسيخ اختصاص مجلس الدولة كما ورد بالمادة (190) من الدستور الحالي، ولن يُفرط جيله الحالي في اختصاصاته التي هي قرين استقلاله،

وكفى يا برلمان الدولة هذه الترهات التي تعتدون بها على اختصاص هذا المجلس.

خامساً - في شأن تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا ونائبه ورئيس هيئة المفوضين بها:

النص الساري:

تنص الفقرة الثالثة من المادة (193) من الدستور الساري على أن:

(وتختار الجمعية العامة رئيس المحكمة من بين أقدم ثلاثة نواب لرئيس المحكمة، كما تختار نواب الرئيس، وأعضاء هيئة المفوضين بها، ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية، وذلك كله على النحو المبين بالقانون).

النص وفقاً للتعديل المطروح:

تنص الفقرة الثالثة من المادة 193على أن:

(ويختار رئيس الجمهورية رئيس المحكمة الدستورية من بين أقدم خمسة نواب رئيس المحكمة، ويعين رئيس الجمهورية نائب رئيس المحكمة من بين اثنين ترشح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة، ويرشح الآخر رئيس المحكمة. ويعين رئيس هيئة المفوضين وأعضاؤها بقرار من رئيس الجمهورية بناءً على ترشيح رئيس المحكمة وبعد أخذ رأي الجمعية العامة للمحكمة وذلك كله على النحو المبين بالقانون).

العيوب التي شابت التعديلات المطروحة على الفقرة الثالثة من المادة (193) من الدستور:

(1) تدخل رئيس الجمهورية ورئيس السلطة التنفيذية في اختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا:

يهدف التعديل إلى تمكين رئيس الجمهورية من تعيين (رئيس المحكمة الدستورية العليا) من تلقاء نفسه، وفي أي وقت يشاء، من بين أقدم خمسة نواب لرئيس المحكمة،

دون أن يكون للجمعية العامة أي دور في هذا الاختيار وكأن رئيس المحكمة الدستورية العليا أحد موظفي السلطة التنفيذية، وهو ما يمثل تسلطاً على النظام القانوني للمحكمة وإهداراً وانتهاكاً صريحاً لمقتضيات استقلال هذه الجهة القضائية العريقة،

وهو ما يعتقد معه القائمون على التعديل أن تقليص دور المحكمة في رقابة الدستورية والمشروعية، أن المختار من النواب الخمسة الأقدم سوف ينصاع لمن قام باختياره اعترافاً بتفضيله عن غيره من نواب الرئيس، وهو اعتقاد هاوي لا قيمة له مع من عاش عمره مدركاً قيمة الاستقلال، الذي يفسده وينتهكه أي تدخل لرئيس الجمهورية في شأن تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا،

ومن ثم فهو كذلك تعديل ينطوي على اعتداء جسيم على استقلال القضاء، يتعين مواجهته وعدم السماح به.

(2) تدخل رئيس الجمهورية ورئيس السلطة التنفيذية في تعيين نائب لرئيس المحكمة الدستورية العليا:

وهذا التعديل يهدف إلى تمكين رئيس الجمهورية من تعيين نائب رئيس المحكمة من بين اثنين ترشح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة، ويرشح الآخر رئيس المحكمة،

والتعديل يشير إلى أن المحكمة سيكون لها (نائب واحد للرئيس) سيتم تعيينه من قبل رئيس الجمهورية بالاختيار من بين اثنين من النواب، وهو تناقض صريح يدل على عدم فهم مقدمو التعديل لنواب رئيس المحكمة،

إذ كيف يُعين رئيس الجمهورية رئيس المحكمة الدستورية العليا من بين خمسة نواب لرئيس المحكمة، ثم يُعين نائباً للرئيس وحيداً فيكون هو نائب رئيس المحكمة؟؟؟

والحقيقة التي لم يدرها { حائك التعديل } أن (نائب رئيس المحكمة) هو { درجة وظيفية } تتأبى أن تنحصر في نائب واحد للرئيس مع التعدد للنواب القائم على كون الأمر متعلقاً بدرجة وظيفية،

ثم ما هو دور واختصاصات هذا النائب للرئيس المُعين، ولماذا يُفضل عن غيره ممن هم أقدم منه في شغل درجة نائب رئيس المحكمة.

أما تعيين رئيس الجمهورية لنائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، والقائم على سلطته المطلقة في اختياره من بين اثنين رشحت الجمعية العمومية أحدهما ورشح رئيس المحكمة النائب الآخر،

فهو على ما سلف تسليط لسلطة رئيس الجمهورية على استقلال جهة قضائية،

وجهل مقدمو التعديل أيضاً يقوم على تساؤل هام وهو:

كيف لرئيس الجمهورية أن يختار نائباً لرئيس المحكمة من بين مرشحين من النواب أحدهما مرشح الجمعية العامة والآخر مرشح رئيس المحكمة الدستورية العليا، في حالة أن يكون مرشح الجمعية العامة هو ذاته مرشح رئيس المحكمة الدستورية العليا، أي أن يتفق رأي الجمعية ة مع رأي رئيس المحكمةفيكون المطروح للتعيين على رئيس الجمهورية {{ شخص واحد }} بينما النص بتعديله يفترض عرض مرشحين على رئيس الجمهورية لتعيين أحدهما، أي غُثاء هذا الذي تُحاك به نصوص الدستور أعز وأغلى الوثائق الحاكمة لتنظيم الدولة.

وأخيراً فإن الله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه الكريم:

(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) – سورة الأنفال – آية 30

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.