مقالات

  22-04-2021

اسرائيل على أبواب هزيمة دبلوماسية

بات واضحا أن الدبلوماسية الإسرائيلية فشلت في الضغط على الإدارة الأمريكية الجديدة، بشأن الموقف من الاتفاق النووي الإيراني. وبينما المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران تتقدم في فيينا، يبدو أن الموقف السعودي، قطع خطوة جديدة في اتجاه التهدئة، بعقد مفاوضات مباشرة مع الإيرانيين في العراق، حسبما ذكرت تقارير لم ينفها أي من الطرفين، وهو ما يذكرنا بالاتصالات المباشرة بين الرياض وطهران بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015 تحت ضغط من إدارة أوباما.
عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي، والتهدئة السعودية مع طهران يشكلان هزيمة كبرى للدبلوماسية الإسرائيلية، التي تحاول الآن إنقاذ ما يمكن إنقاذه عن طريق إرسال عدد من الوفود الأمنية والسياسية إلى واشنطن لتقليل الخسائر، بعد أن اتضح أن الإدارة الأمريكية ماضية في طريقها للعودة للاتفاق النووي لعام 2015.
وقد نجح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف نجاحا كبيرا في إدارة المفاوضات غير المباشرة بعيدا عن الملفين الشائكين، المتعلقين ببرنامج الصواريخ، والنفوذ الإيراني في المنطقة، اللذين تم الاتفاق على تأجيلهما، ووضع كل منهما في مسار منفصل عن ملف الاتفاق النووي. الهزيمة الدبلوماسية لإسرائيل هذه المرة ستلقي ظلالا قاتمة على الانتصارات التي حققتها منذ خريف العام الماضي.
ولا شك أن اتفاقيات تطبيع العلاقات الأربع التي وقعتها إسرائيل مع كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، تمثل انتصارات للدبلوماسية الإسرائيلية، وتضع أسس هيكل جديد وآليات أكثر استدامة لعلاقاتها الإقليمية والدولية.
وقد أنفقت إسرائيل وقتا طويلا، عبر إدارات سياسية مختلفة للوصول إلى تلك الاتفاقيات، ولعبت الدبلوماسية الخفية، في حالة الدول الخليجية، والعلاقات التاريخية في حالة المغرب، والتواطؤ مع العسكريين لفترة طويلة من الزمن، كما في حالة السودان، دورا رئيسيا في تمهيد الطريق للاتفاقيات التي أسبغ عليها دونالد ترامب منذ اللحظة الأولى مسوحا دينية، بأن أطلق عليها «الاتفاقات الإبراهيمية». ولذلك فإنه يجب عدم إغفال حقيقة دور الولايات المتحدة فيها، وهو الدور الذي تضمن جانبا عسكريا لا يخفى على أحد، يشعل سباق التسلح في المنطقة لفائدة شركات السلاح الأمريكية.
لكن القيادة الإسرائيلية للشرق الأوسط، التي تطمح إليها إسرائيل لا تتحقق بمجرد تبادل العلاقات الطبيعية، وإنما تتحقق ببناء منظومة للقوة الإقليمية، ترتكز على نظام متكامل للدفاع والتعاون الاقتصادي الإقليمي، تصوغه وتقود تنفيذه إسرائيل، بما يحقق لها الاستفادة إلى أقصى حد من وفورات النطاق الناتجة عن تجميع الموارد المشتركة، بما فيها التمويل وحجم سوق السلع، والصادرات العسكرية، مع ضمان وجود غطاء أمريكي في هذه المرحلة، يحفظ للنظام الدفاعي الجديد مكانة مقبولة عالميا، ويحميه من أي تقلبات قد تعصف به، أو تربك طريقة عمله.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت قد بادرت منذ عام 2017 بالسعي إلى إقامة ما أطلق عليه (الناتو العربي) في القمة العربية – الإسلامية – الأمريكية في الرياض، وإقامة مظلة للتعاون والدفاع الاستراتيجي لدول شرق المتوسط، بمقتضى قانون صادر عن الكونغرس في عام 2019 ، فإن إسرائيل تسعى إلى أن يتحرك المشروع الأمريكي في اتجاه لا يخلق عقبات تعترض طريق مشروعها التاريخي للهيمنة. لكن هذا الحرص على التوافق لم يمنع وجود خلافات بينهما، تبدو جلية الآن في الخلافات حول الاتفاق النووي مع إيران، وعلاقة إسرائيل بالصين، وموضوع تسوية القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.
تدرك إسرائيل أن فراغ القوة في الشرق الأوسط سيؤدي إلى التزاحم على طلب النفوذ من داخل المنطقة وخارجها
وليست هذه هي المرة الأولى التي يختلف فيها الطرفان، فقد توترت العلاقات بينهما عدة مرات منذ الخلاف بين بن غوريون وأيزينهاور حول ضرورة انسحاب إسرائيل من سيناء بعد حرب السويس عام 1956، وتهديد الرئيس الأمريكي بفرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل، إذا لم تنسحب، والخلاف بين مناحم بيغن ورونالد ريغان بشأن صفقة طائرات الإنذار المبكر (أواكس) إلى السعودية عام 1981. والخلاف بين إسحق شامير وجورج بوش بشأن مساعدات مالية قيمتها 10 مليارات دولار قرر بوش ربطها بوقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية وغزة والجولان عام 1991/1992. والخلاف بين نتنياهو وأوباما بشأن الاتفاق النووي مع إيران عام 2015 ومطالبة أوباما بوقف الاستيطان في الضفة الغربية عام 2016، وهو الخلاف الذي امتنعت بسببه الولايات المتحدة لأول مرة عن استخدام حق الفيتو ضد قرار لمجلس الأمن يعتبر المستوطنات غير شرعية وتمثل عقبة في طريق السلام.
منظمة للدفاع الإقليمي
تدرك إسرائيل أن فراغ القوة في الشرق الأوسط سيؤدي إلى التزاحم على طلب النفوذ من داخل المنطقة وخارجها، ونظرا لأن الولايات المتحدة في طريقها لتخفيف وجودها العسكري خارج الحدود إلى أقل حد ممكن، بما في ذلك الشرق الأوسط، كما تبدو ملامح ذلك في سوريا والعراق وأفغانستان، فإن إسرائيل تسعى لأن تكون هي القوة التي ستملأ الفراغ. وسواء كان ذلك باتفاق بين الطرفين، أو بدونه، فإن إسرائيل تريد الاستمرار في تفوقها الساحق على جيرانها، وتوسيع نفوذها العسكري، ومنع المنافسين الإقليميين من تحقيق مكاسب تزيد قوتهم الإقليمية النسبية، وهي لن تستطيع ذلك بدون مظلة أمريكية. ولكنها بعد أن أصبحت ترتبط باتفاقيات علاقات طبيعية مع 6 دول عربية، قد وقعت في خطأ الاعتقاد بأنها تستطيع تحقيق مكاسب عسكرية تعزز أهداف سياستها الإقليمية بدون المساندة الأمريكية.
وعلى الرغم من أن الرؤية الإسرائيلية للدفاع الإقليمي في الشرق الأوسط لا تتعارض جوهريا مع الرؤية الأمريكية، فإنها تختلف عنها من حيث الهدف الرئيسي، ومن حيث الأساليب.
ومن أهم ما يجب الإشارة إليه هنا هو أن بنيامين نتنياهو في حوار من خلال منصة زووم يوم 4 مارس الماضي، تناول نقطة مهمة جدا تتعلق بالفرق بين الرؤيتين الأمريكية والإسرائيلية بخصوص مشروع إنشاء ما يسمى بـ»الناتو العربي». وقال نتنياهو إن الحوار بشأن إقامة تحالف دفاعي للشرق الأوسط، أو «ناتو الشرق الأوسط» كما سماه هو ما يزال في بداياته، وأن الفكرة التي يقوم على أساسها حلف شمال الأطلنطي في أن الاعتداء على أي دولة عضو يعتبر اعتداء على كل الدول الأعضاء، لا تصلح كنقطة بداية، ولكن البداية من وجهة نظره هي إقامة تحالف يكون هدفه التصدي للأعداء المشتركين. وعلى هذا الأساس يجري الحوار بين إسرائيل والسعودية والإمارات والبحرين.
إن ما أشار إليه نتنياهو في ما يتعلق بالمادة الخامسة في ميثاق حلف الناتو، يوضح جانبا آخر من جوانب الخلاف مع الإدارة الأمريكية. ولا يريد نتنياهو تحالفا تكون مهمته هي مجرد الدفاع عن أعضائه ، لكنه يسعى لإقامة تحالف عسكري من أجل تأكيد الهيمنة الإسرائيلية، ومواجهة من تعتبره عدوا لها. ويعتبر نتنياهو أن الخطر المشترك الرئيسي الذي يهدد إسرائيل والدول العربية هو الخطر الإيراني. ومن ثم فإن أي تحالف عسكري إقليمي يجب أن يكون هدفه تدمير إيران والوقوف ضدها سواء اعتدت أو لم تعتد. الولايات المتحدة في المقابل تسعى إلى توطين حلف الناتو إقليميا في مناطق الصراع العالمي، بغرض تقليل الأعباء، والمشاركة في تحملها مع الأطراف الأخرى، وزيادة كفاءة خطوط الإمدادات والخدمات اللوجستية، ولذلك فإنها تسعى إلى إنشاء ناتو لدول المحيط الباسيفيكي، وناتو للخليج والبحر الأحمر وشرق المتوسط، وهو ما يسمح بتعزيز الدور الأوروبي للحلف في مواجهة روسيا.
وقد كانت زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن لإسرائيل محاولة من الإدارة الأمريكية لضبط إيقاع العلاقات مع اسرائيل، والاستجابة السخية لطلباتها في مجالات التسليح والمساعدات العسكرية، وتجديد الالتزام بضمان التفوق النوعي الإسرائيلي في المنطقة. لكن إسرائيل تحاول بكل الطرق إفساد المفاوضات الجارية بشأن الاتفاق النووي، واستفراز إيران للقيام بأعمال عدائية، تبرر استمرار العقوبات، وعدم عودة واشنطن للاتفاق.
ولكن بسبب حرص واشنطن على نجاح المفاوضات فإنها سارعت بنفي أي علاقة لها بالعملية الإسرائيلية ضد منشأة نطنز لإنتاج اليورانيوم المخصب. كما كان لويد أوستن حريصا خلال زيارته لإسرائيل على أن يتجنب لمس الموضوع الإيراني. ومع التأكيدات الصادرة من العواصم العالمية الرئيسية بشأن تقدم المفاوضات في فيينا، والأنباء التي لم يتم نفيها عن اتصالات مباشرة بين السعودية وإيران، فإنه من المرجح أن تتلقى الدبلوماسية الإسرائيلية ضربة موجعة في الأسابيع المقبلة.

د..ابراهيم نوار
كاتب و باحث متخصص في العلاقات الاقتصادية والنزاعات الدولية

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.