مقالات

  21-10-2024

منهج جديد لتقييم السياسات الاقتصادية

ينتقل تدريجيا علم الاقتصاد الذي يطلق عليه أحيانا إسم «العلم الكئيب» من مجرد التركيز على الأرقام والمعادلات والنماذج الرياضية، إلى مرحلة جديدة تقام فيها الجسور و تمتد جذور المعرفة بينه وبين العلوم الاجتماعية الأخرى، مثل علوم الاجتماع والسياسة والإعلام والإدارة.

هذا الانتقال يعزز في الوقت نفسه علاقة السياسة الاقتصادية بالتطبيقات الاجتماعية المختلفة في مجالات الرعاية الطبية والتعليم والإسكان وتوفير الأمن العام وغيرها.

وكان من نتائج إقامة هذه الجسور والعلاقات تطوير تعريف الفقر، من مجرد الاعتماد على قياس الدخل النقدي إلى تعريف متعدد الأبعاد يشمل إلى جانب الفقر النقدي عناصر أخرى مثل الفقر في الرعاية الصحية والتعليم والإسكان والأمن العام.

كذلك كان من نتائجها إعادة دراسة وتقييم السياسات الاقتصادية من مداخل متنوعة، بيئية وتكنولوجية وديموغرافية ومؤسسية.

لم يعد علماء الاقتصاد يعتمدون على نموذج «هارود – دومار» في تفسير النمو الاقتصادي الذي يقوم على معدلات الادخار والاستثمار والعلاقة بين العمل ورأس المال فقط. لكن تركيزهم راح ينصرف منذ روبرت سولو على إضافة التكنولوجيا والتجديد التكنولوجي إلى دالة الإنتاج والتراكم الرأسمالي، بعد أن أثبت سولو في دراساته عن النمو في الولايات المتحدة أن التكنولوجيا تزيد إنتاجية العمل ورأس المال معا إلى مستوى يفوق حاصل جمع إنتاجية كل منهما بمفرده.

وقد وجد علماء الاقتصاد بعد ذلك أن التكنولوجيا الضارة بالبيئة من شأنها أن تفرض قيودا على دالة النمو، فجاءنا العالمان وليام نوردهاوس وبول رومر بإضافة جوهرية إلى دالة النمو، تؤكد أن النمو المستدام يجب أن يكون صديقا للبيئة وليس عدوا لها.

ومن هنا أعاد علماء التنمية صياغة دالة النمو، ونحتوا مصطلحا اقتصاديا جديدا هو «النمو الأخضر» أو «الاقتصاد الأخضر» الذي يشترط تخليص النمو من تكنولوجيا الإنبعاثات الكربونية الضارة التي تهدد مستقبل العالم.

أما علماء نوبل هذا العام، دارون عاصم أوغلو وسايمون جونسون، الأستاذان في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجيمس روبنسون الأستاذ في جامعة شيكاغو، فإنهم أضافوا إلى دالة التنمية مكونا جديدا هو نوعية مؤسسات الحكم والإدارة، وقالوا أنها من أهم مصادر التفاوت في مستويات الثروة والرفاهية والتقدم بين الأمم المختلفة.

وكان عالم الاقتصاد المصري الدكتور جلال أمين في دراساته شغوفا بالمزج المشوق بين علم الاقتصاد وغيره من العلوم الاجتماعية، وقدم في دراسته العبقرية "ماذا حدث للمصريين؟" نموذجا لهذا المزج الخلاق لفهم تغيرات الاقتصاد المصري في خمسين عاما بين عامي 1945 و 1995، و ابتعد عن فصل البيانات الاقتصادية عن علاقتها بالتغيرات المؤسسية والثقافية والاجتماعية وغيرها، واهتم بدور هذه التغيرات غير الاقتصادية في تغيير الاقتصاد . وما يزال المصريون في انتظار رؤية اقتصادية سليمة لاوضاعهم، مبنية على حقائق الحياة وليس على الأرقام المطبوخة التي لا علاقة لها بالحقائق.

علماء نوبل في الاقتصاد هذا العام يقدمون لنا في الحقيقة أدوات جديدة مهمة في التحليل، لا شك انها تعزز قدرتنا على فهم أسباب قصورنا، وتكشف لنا الطريق إلى الخروج من دوامة "إعادة إنتاج الفشل" التي ندور فيها ونعاني من الدوار منذ عقود طويلة.

د/إبراهيم نوار

باحث متخصص في العلاقات الاقتصادية والنزاعات الدولية

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.