مقالات

  09-05-2025

لماذا تُجرى الانتخابات في مصر؟ (1)

هو سؤال على القوى الديمقراطية المصرية محاولة الإجابة عليه بدلًا من الوقت والجهد المهدر، منذ سبعينيات القرن الماضي، حول مشاركة ومقاطعة الانتخابات، والشروط التي تضعها لإجراء الانتخابات، وسنحاول سويًا الإجابة على هذا السؤال.

قد نستطيع أن نبني مسارًا مشتركًا أو مسارات نستفيد منها، أو على الأقل ندير خلافاتنا بمنطق غلب على المجال العام في مصر، بأساليب تصفية حسابات “بركة الرطل”، وشخصية “حنتيرة” و”خالتي فرنسا”؛ أعمال الأستاذ بلال فضل السينمائية.

الانتخابات.. منذ 1954

نحاول أولًا الوصول لملامح وشروط ووظيفة الانتخابات المصرية التي جرت في مصر منذ مارس 1954. فمنذ هذا التاريخ وقواعد إدارة الدولة المصرية، وعلاقتها بالمجتمع المدني المصري بمفهومه الواسع (أحزاب – نقابات – عمل أهلي – روابط – اتحادات)، أي ما يتعلق بأي نشاط طوعي حر، والذي من خلاله يقوم المواطن والجماعات السياسية أو أي جماعات مصالح، بمحاولة الشراكة أو المشاركة في إدارة الشؤون العامة للبلاد، عبر قواعد واضحة ومحددة، حتى لو اختلفت الطبعة في الحكم أو الإدارة.

ومهما تصورت القوى الديمقراطية التي تسعى إلى تحديث وعصرنة مجتمعها أن تفرض شروطها على السلطة الحاكمة إما بالاتفاق أو بالمحايلة والاستعطاف وإما بالثورات والانتفاضات والغضب، ومهما كانت الأوضاع الإقليمية والدولية، فمصر منذ مارس 1954 تحكمها قواعد واضحة يتقدمها شخص السيد رئيس الجمهورية والمنتسب دائمًا لمؤسسة هامة في إدارة شؤون البلاد، وتساعده أجهزة هامة تحدد شكل وطريقة إدارة الدولة، ومن هو الشريك، أو الخصم، أو العدو، أو الصديق. لذلك نجدها تتحالف مع جماعة الإخوان المسلمين في وقت وتتقاتل معها في وقت آخر.

  الدولة والإخوان والقوى الديمقراطية

قبل عام 1954 كانت الجماعة شريكتها الرئيسية، لكن منذ عام 1954 يتم إعدام كوادرها، ثم في سبعينيات القرن الماضي يسمح لها بالانفراد الكامل بساحة العمل في الجامعات والنقابات، وفي برلمان 1987 و2005 تدخل بنسبة لا تقل عن 20% من البرلمان، وفي يناير 2011 تشكل لجنة صياغة الدستور، وتقول الصناديق نعم لها ولشركاء حكمها، والباقي لا يحتاج أبدًا لتذكير فهو أمامنا.

أما القوى الديمقراطية فهي محرومة من حق التنظيم، وعندما يسمح لها بهامش في أوقات محددة، لا تقبل السلطة أبدًا خطابها وشركاءها، وبالتأكيد حكمها. فهي إما خائنة، أو عميلة، أو بألطف عبارات من ناس داخل الدولة ليس لديها الخبرة أو المعلومات، وهما “وحشين في بعضهم وبيتخانقوا”.

قطعًا القوى الديمقراطية المصرية لديها من الأخطاء والخطايا منذ عام 2005 ما يحتاج مجلدات، ولكنها لم تجرم أبدًا في حق الشعب المصري ولم تتسبب في كوارث من أي نوع، فهي لم تحكم ولم تكن شريكة حكم، ولكن بخبراتها وخضوعها لابتزاز وأمور أخرى لها علاقة ببيئة وبنية المجال العام والسياسي وجودته كانت تستطيع تحسين الشروط.

لماذا الانتخابات؟

بناءً على تلك المعطيات، لماذا تجرى الانتخابات في مصر؟

في البدء، لا انتخابات بلا ديمقراطية ولا ديمقراطية بلا حريات عامة. والانتخابات في الديمقراطية التمثيلية التي عرفت منذ آخر القرن التاسع عشر تقريبًا، تلك هي شروطها. والتداول السلمي للسلطة يعني دون “لف ودوران” إجراء انتخابات يُشارك فيها المواطن دافع الضرائب ليصوت لتيار سياسي أو جماعات مصالح، وعبر هذه الآلية ينجح في تشكيل الحكومة لو النظام برلمانيًا، أو يكون مراقبًا للسلطة التنفيذية ومكملًا لها لو النظام رئاسيًا.

غياب تأثير الانتخابات

أيًا كان النظام الانتخابي ونظام الحكم، فالانتخابات مؤثرة في شكل الحكم في البلاد التي تقام فيها. ولكن في مصر ومنذ مارس 1954 لم تؤثر أي انتخابات في شكل الحكم في مصر، مهما كانت نزاهتها ومهما كان رأي السلطة في إجرائها.

لم تُشكل في مصر حكومة أبدًا نتيجة الانتخابات، ولم يختر البرلمان الوزارة ولم يقيلها، ولم يستطع إقالة وزير فيها، ومنذ برلمان 1976 يوجد وزراء بعينهم لا يحق لبرلمان أصلًا سؤالهم.

برلمان 2011

قد يتحدث البعض مثلًا عن برلمان 2011، ما هي صلاحيته التي كانت إلى جانب المجلس العسكري مثلًا؟ ما القرارات التي اتخذها؟ حتى انتخابات رئاسة 2012، ما موقف رئيس الجمهورية والإعلان الدستوري الحاكم له؟

وملخص ما نستطيع قوله إن الانتخابات في مصر لا تؤثر على شكل الحكم ولا طبيعته.

قيود الحريات العامة والشخصية

من ناحية أخرى، لا انتخابات بلا حريات عامة، وفي مصر الحريات العامة والشخصية في مصر عليها قيود لا حصر لها.

أحيانًا، أتعجب من أن القوى الديمقراطية المصرية تتحدث عن شروط لحرية ونزاهة الانتخابات؛ فمصر لم تجر فيها أي انتخابات حرة، وحرية الانتخابات تعني توافر حريات في الأصل.

في 2011 و2012 لم تكن هناك انتخابات حرة، وقد منع مواطنون مسيحيون من الذهاب إلى صناديق الاقتراع في مدن، وحُرم ثلاثة مرشحين لانتخابات الرئاسة من الترشح في يوم واحد هكذا. حتى في تلك اللحظة كان هناك شك كبير في المرشح الناجح الذي في الأصل مهما كان، كان الغضب والكلام عن شرعيته محل شك لنصف المجتمع.

نزاهة الانتخابات

نزاهة الانتخابات هي قصة أخرى، تُعنى بالإجراءات ونفاذ قرارات المشرفين على الانتخابات، وعدم التدخل الفج من جهات الإدارة.

كانت انتخابات 1976 و1984 و2000 و2005 و2011 انتخابات تمتعت بقدر من النزاهة.

والحقيقة أنه لما كانت الانتخابات في مصر لا تؤثر في شكل الحكم ولا يختار المواطنون في مصر حكامهم من خلالها وقواعد أخرى، وبما أن الانتخابات المصرية منذ عام 1954 عدد الانتخابات النزيهة فيها يُعد على الأصابع، إذن لماذا تجرى الانتخابات وما وظيفتها؟

ثم لماذا تشارك أو تقاطع القوى السياسية الانتخابات؟ وهل شروط مشاركتها ومقاطعتها تنطبق على كل المناسبات أو الهدف من المشاركة في كل مناسبة مثل الأخرى؟ وهل قواعدها في مشاركة انتخابات 1976 و1984 وشروطها مثل 2010 مثلًا؟ وهل حاجتها لمقاطعة ومشاركة الانتخابات وقدرتها في 2011 مثل 20 أو 25؟

هذا ما سنحاول مناقشته سويًا.

ولكن، هل هناك من يضع نموذجًا لمشاركة دائمة أو مقاطعة دائمة ويضع نموذجًا لخطاب واحد في كل المناسبات ويحسب المكسب والخسارة بنفس الطريقة؟ هل هذا منطقي؟ هل كل الجماعات السياسية المنتمية لقوى الديمقراطية طبيعتها واحدة وجمهورها واحد وغرضها واحد؟

نحاول التفكير سويًا في مقالات أخرى عن الانتخابات في مصر.

وهذه بداية سلسلة مقالات نشرح فيها لماذا تُجرى الانتخابات في مصر، آملين أن تكون محور نقاش بين كل القوى السياسية والاجتماعية المختلفة خلال الفترة القادمة.

أحمد فوزي

عضو الهيئة العليا للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي

الرابط الأصلي للمقال:

https://t.ly/bHA_g

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.