مقالات

  09-06-2025

كيف نواجه التطبيع مع التزوير؟

هذه هي الحلقة الرابعة من سلسلة مقالات عن النظام الانتخابي في مصر، والتي نحاول فيها تفكيك واقع العملية الانتخابية، والتفكير في طرق إصلاحها وضمان شفافيتها..

في المقال السابق، تناولنا ما الذي يجعل الانتخابات نزيهة وممثِّلة بحق، وطرحنا مجموعة من الشروط والآليات لضمان العدالة والشفافية. لكن ماذا لو تم تجاهل هذه الشروط؟ ماذا لو بقيت القوانين دون تنفيذ، واستمرت أدوات التزوير والقمع كما كانت؟ هنا لا يكون السؤال عن الوقاية فقط، بل عن المواجهة.
كيف نواجه التزوير؟ وكيف نمنع القمع من إفساد إرادة الناخبين؟ والواقع أن هذه المواجهة تحتاج إلى ثلاث دوائر متقاطعة ومترابطة:

أولًا: الرصد المبكر

أحد أخطر المفاهيم المغلوطة هو أن التزوير يبدأ داخل لجان الاقتراع. لكن الحقيقة أن أغلبه يُزرع قبل ذلك بكثير، في مراحل مثل:

ولذا فإن الرصد المبكر هو خط الدفاع الأول. وعلى الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني أن:

هذه المعلومات لا تذهب هدرًا، بل ستكون ذخيرة سياسية وقانونية وإعلامية عند اللزوم.

ثانيًا: الرد الفوري

أخطر ما يحدث في الانتخابات هو التطبيع مع التزوير. أن نراه ولا نتحرك. أن نُؤجل الرد إلى ما بعد انتهاء الانتخابات، فنخسر المعركة. وهنا يجب أن تتوافر غرفة عمليات مركزية تضم ممثلين عن الأحزاب والمنظمات الرقابية، هدفها:

وحتى لو أُغلقت أبواب الإعلام التقليدي، فإن وسائل التواصل الاجتماعي باتت أداة فعالة لنشر الانتهاكات، شرط أن يكون الخطاب منضبطًا ومدعومًا بالحقائق.

ثالثًا: لا يمكن المواجهة من غرف مغلقة

لا يكفي أن نرصد ونُصدر البيانات. لابد أن يكون هناك تنظيم سياسي قادر على الانتشار الجغرافي والتمدد داخل المجتمع. أحزاب قوية ومترابطة، لها قواعد فعلية في القرى والمدن، تعرف جمهورها وتُفعّله وتُحركه، تحركًا منضبطًا بضوابط القانون.

هذا التنظيم هو ما يجعل الردود مؤثرة، ويُحبط محاولات التزوير في مهدها. كما أن الانتشار الجغرافي الحقيقي يُتيح تشكيل شبكات رقابة ومتابعة فعالة، ويُربك محاولات القمع والعزل. فالمواجهة تبدأ من التنظيم، لا من رأس الحزب وحده، بل من كل عضو ناشط ومؤمن بدوره.

رابعًا: المراقبة الدولية

القمع لا يمكن كسره فقط عبر المؤسسات. وحين تكون المؤسسات مشلولة أو تابعة، لا يبقى سوى الضغط الشعبي، ومعه الدعم الدولي المشروط باحترام السيادة الوطنية.

الرقابة الدولية هنا ليست استدعاءً للوصاية، بل أداة ضغط أخلاقي وسياسي، تكتسب قوتها من دقة التوثيق الداخلي وصلابة الموقف الوطني.

أخيرًا: لا تقبل الهزيمة المسبقة

الأنظمة السلطوية تراهن على شيء واحد: أن نُحبَط، ونستسلم، وننسحب. لكن كل معركة حتى لو كانت نتائجها محسومة مسبقًا هي فرصة لبناء الوعي، وكشف الفساد، وتنظيم الصفوف. حتى إن لم نربح المقاعد، يمكن أن نربح الرأي العام، ونربح جيلًا جديدًا من المواطنين الذين عرفوا الحقيقة، ولم يستسلموا لفكرة أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان. والتاريخ لا يُصنع من انتصارات فورية، بل من تراكم الوعي، والتحدي المستمر، وتوثيق كل لحظة.

في الحلقة القادمة من هذه السلسلة، سنتناول السؤال الصعب: المشاركة أم المقاطعة؟ متى يكون التصويت خيارًا، ومتى تصبح المقاطعة موقفًا؟

م/ باسم كامل

الأمين العام للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي

المنسق العام للتحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي

نشر المقال على موقع "فكر تاني" بتاريخ 8 يونيو 2025

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.