21-05-2025
نحتاج إلى أن نتوقف قبل الانتخابات، عند تحديد لحظتنا الراهنة التي يجب أن نُبصر فيها حل أزمة القوى الديمقراطية، ونشكل عبر حوار جاد مواقفنا لما هو قادم.
هذه الوقفة مهمة للغاية، عقب 11 عامًا من تعثر عملية التحول الديمقراطى في مصر بعد انتفاضة يناير. والتي كانت من أهم الأهداف، التي طرحتها حتى إن لم تصرح بها نظرًا لقلة الأدبيات التي تناولت تحليلها، هي نقل مصر من كونها دولة تُحكم عبر نظم سلطوية مستبدة لنظم ديمقراطية تعددية، والأمر لا يحتاج كثيرًا إلى تحليل وتنظير، فالشواهد أن الأوضاع أصبحت أسوأ من قبل يناير 2011.
يتبادل ثلاثة أطراف الاتهامات حول مسئولية ما وصلت إليه الأوضاع من أزمة اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية طاحنة، لا تخطئها عين.
السلطة في مصر، إن اعترفت بالتعثر والأوضاع السيئة، فإنها تُعيدها بشكل واضح وعلى لسان كافة المسئولين، إلى أوضاع فرضتها "مؤامرة يناير" والتي ترى فيها السلطة أنها سبب كافة الشرور، كما ترى السلطة أنها تصدت لتلك المؤامرة التي كادت أن تطيح بالدولة المصرية ومؤسساتها، وأن الدولة كانت ستصبح مثل دول الجوار التي انهارت بالكامل، وأن من مهام السلطة هو حماية البلاد من الانهيار، وتتهم جماعة الإخوان أنها رأس حربة المؤامرة، وأن القوى الديمقراطية كانت أداة في يد الجماعة، وعليها التصدي وبقوة وبعنف لأي محاولة من القوى الديمقراطية مجرد التعبير عن رأيها، كما يجب إغلاق كافة المنافذ أمامها.
في المقابل، تستخدم جماعة الإخوان، خطابا واضحا، فهي تم التأمر عليها من قبل السلطة الحالية والقوى الديمقراطية معًا، ممثلة في جبهة الإنقاذ، وكذلك القوى الثورية خارجها، والقوى السياسية المحافظة والتقليدية تنتسب لنظام مبارك القديم، وتم الإطاحة بها، ولذلك قررت الجماعة، التي تحظرها السلطة، الوقوف عند لحظة معينة، لا تقبل سوى بالعودة لأوضاع ما قبل 3 يوليو.
والطرفان يتجاهلان تمامًا، أنه منذ مارس 2011، وبالتحديد منذ لحظة ما أُطلق عليه، "غزوة الصناديق" حتى انتخابات الرئاسة المصرية 2012، كانت هناك شراكة كاملة بينهما في رسم خارطة الطريق والحكم، بل وتجاهلا كافة تحذيرات القوى الديمقراطية، بل ومارست كافة الأطراف العنف ضدها، والحديث في ذلك لا طائل منه
أما القوى الديمقراطية المصرية، لأنني لا أفضل استخدام كلمة التيار المدني التي تعمد البعض استخدامها، والتي قسمت المجتمع لتيار مدني وآخر إسلامى، ذاقت ويلات "ركوب" من أفسد الحياة السياسية في مصر قبل يناير 2011، مركب الإخوان بعد سقوط سلطة مبارك، والالتحاق بطائرة الرئيس الراحل محمد مرسى، والذي هاجم القوى الديمقراطية واتهمها بالفوضى، بينما منهم من دخل البرلمان بتحالف مع الجماعة، وتم تخوين جبهة الإنقاذ، واتهام القوى الثورية بالأناركية، وهم الآن كممثل المسرح القدير انتقلوا لصفوف السلطة، يحرضون على من تحالفوا معهم ومستمرون في التحريض على القوى الديمقراطية، ما أدى إلى التنكيل بالقوى الديمقراطية وتعرضها للتشريد والقمع والمصادرة وإغلاق المنافذ، ما أضعفها بشدة.
المهم، أن كافة الأطراف ويهمني هنا طرفي السلطة والقوى الديمقراطية لا يزالان يعانيان من تروما يناير.
السلطة ترى أن أي مساحة تزيد من منافذ التعبير أو الحركة من القوى الديمقراطية تعني أن تلك القوى ستستغلها لانقلاب عليها، وأطراف فيها ترى أن يناير لم تحدث بسبب غياب الديمقراطية أو العدالة أو معاناة البلاد من مشكلات، بل حدثت لأنها سمحت سابقًا بهامش ديمقراطي تم استغلاله، وعلى هذا لن تسمح به مرة أخرى.
أما القوى الديمقراطية المصرية، وهناك قطاع منها يتجاهل الأوضاع السيئة التي وصلت إليها البلاد ووصلت لها تلك القوى، وتتصور أنه ما زال بالإمكان حدوث تغيير جذري، والذي فشل في الأصل في أفضل أوقات كانت الظروف والمعطيات مواتية حسب تصورات تلك القوى.
التغيير الجذري تحديدا هو تغيير شكل الحكم وأدواته والانتقال لدولة ديمقراطية، وهو في الأصل لم يتحقق، وانتهى في 11 فبراير 2011، وأسباب عدم حدوثه ليست المؤامرة على انتفاضة يناير، ولا ترك البعض للميدان، ولا إنشاء البعض لأحزاب ولا خوض البعض انتخابات البرلمان، ولا أمور كثيرة، لكن لأننا مجتمع غير مؤهل أصلا لهذا التغيير الجذري.
الأزمة ليست أزمة سلطة مستبدة، أو تيار انتهازي كجماعة الإخوان المسلمين، بل إن الأزمة أن تلك القوى الديمقراطية حُرمت من حق التنظيم لعقود طويلة، وأن مجتمعها يعاني من أزمات اجتماعية وثقافية وسياسية عميقة، لا يصلح معها التغيير بشكل جذري.
وبناء على ذلك يجب أن نعترف أن طريق التغيير في مصر طويل ولن يتحقق إلا عبر التفاوض وإقناع كافة الأطراف بحتمية أن يحدث تغيير عبر أطر سلمية، لتحسين شروط كثيرة قد تنقذ البلاد.
في هذا الإطار، نستطيع أن نقسم القوى الديمقراطية المصرية:
البعض، لا يتصور أو يرى أن هناك إمكانية لتغيير جذري واضح، فهو لا يعي ولا يعرف سوى أدوات اعتاد عليها من 2005، التظاهر والاحتجاج، والقطيعة الكاملة مع كل من يختلف معه، وأن الحوار مع أي طرف خيانة، وأن طوال الوقت هناك إمكانية للتغيير بشرط أن تمتلك أطراف غيرها الشجاعة، وأن تقرر كسر حاجز خوفها وكأن الأمر بسيط ويحتاج فقط لهذا النوع من الشجاعة.
والبعض، يتمسك، وهذا حقه، بثوابت دستورية وقانونية ويرى أن الحوار والانتخابات والعمل السياسي شروط لن يحيد عنها للتعامل مع كافة الأطراف، ولكنه في نفس الوقت، يخضع لابتزاز بعض الأطراف الأصيلة في الحوار الوطني والتي شاركت في الانتخابات التشريعية والرئاسية من قبل، بشروط وأوضاع لم يتحقق منها ما يطالبون به غيرهم الآن، بل ويلومونهم على المشاركة، لأنهم يريدون تنفيذ ما يرون هم فقط في الوقت المناسب لهم وحدهم.
والبعض، لا يرى إمكانية في التغيير إلا بالتفاوض والمشاركة وفق أي شروط، وهو في الأخير، لا يستطيع إقناع باقي أطراف القوى الديمقراطية، أن هذا الطريق يمكنهم من إحداث التغيير.
ماذا تحقق من ذلك؟
الإجابة: لا شئ من وجهة نظر الأطراف الباقية، والبعض يتهم بعض القوى الديمقراطية بأنها سبب ما وصلنا إليه.
الحقيقة إن بداية الاعتراف بالأزمة، أن أطراف القوى الديمقراطية الثلاثة ليست سبب الأزمة و أنها في حاجة لحوار جدي بينها وأنها في حاجة لتعي أن الأزمة أصبحت طاحنة، وأن التفاعل بينها في ظل أوضاع سيئة للغاية مهم.
نحن أمام إغلاق كامل للمجال العام في مصر، والمجال العام غير المجال السياسي، أي اهتمامات المواطنين المصريين، في مجال ثقافي واجتماعي أوسع يخلق من بعده مجال سياسي كإعلام شبه مستقل، كعمل حزبي شبه حقيقي.
نحن أمام مجتمع أُغلق مجاله العام بالكامل منذ 2015، أصبحت اهتمامات المواطنين فيه وفقط بـ كرة القدم وفساتين الجونة وتحريم أو ضرورة تهنئة المختلف في الدين، اتهام الأجيال الجديدة التي لا نعرف عنها شئ، أن وسائل تواصلها فاسدة، أن الموسيقى التي يستمعون إليها فاسدة.
نحن أمام مجتمع يراقب فيه أدوات الإبداع وتحاول السلطة فرض نموذج الإبداع الذي يظهر فيه شنب الباشا في "كلبش من الجزء الأول"، نحن أمام إعلام لا يتحدث سوى في توافه الأمور، نحن أمام مواطنين لم يشاهدوا/يتعرضوا لعمل سياسي في الجامعات منذ 10 أعوام.
نحن أمام مجتمع دُشنت فيه حملة للدفاع عن قاتل (نيرة) ويسب بعضه البعض بالأب والأم والدين نتيجة انتقال لاعب كرة ب100 مليون جنيه ثم يتحدث البعض عن أنه سيحدث تغيير جذري، وأننا في بعضنا سبب المشكلة رغم أن أكثر الانتخابات نزاهة صوت المصريين بنسبة 20% لحزب يحتقر السيدات و المسيحيين، وحصلت "الثورة مستمرة والكتلة مجتمعين" على 40 مقعد في البرلمان و6 مقاعد للكرامة على قائمة الجماعة ومقعدين مستقلين لأبو العز الحريري والبدري فرغلي
لا يوجد أي تواجد لمنظمات نقابية عمالية، أحزاب سياسية تعقد اجتماعات وأصغر أعضائها عمره 60 عام، إن قيادة العمل السياسي في مصر أصغرهم 45 عام و نطلق عليهم شباب، وأنا هنا آسف، فبعضهم لا يمتلك الحد الأدنى من المعرفة بتاريخ البلد وجغرافيتها ويتجاهل أوضاع دولية وإقليمية بائسة، وتصميم على خطاب عفى عليه الزمان، نحن أمام مجتمع يطحن طبقاته الفقر الواضح، ولا يوجد جماعات مصالح تعبر عنه.
تلك القوى حاولت في الفترة الأخيرة التعامل مع الواقع عبر استخدام أدوات، مكنتها من خروج بعض المحبوسين من السجون، وصول بعض ممثلي القوى الديمقراطية لرئاسة النقابات المهنية، عودة هامش بسيط لمواقع مستقلة، لنشاط حزبي طفيف، لتغيير في أفكار وآليات عمل أطراف في القوى الديمقراطية، ومع أزمات طاحنة من صعود تيار اليمين الشعبوي المحافظ في العالم وسيطرة إسرائيلية وحلفاء لها في المنطقة، وأزمة اقتصادية واجتماعية وثقافية طاحنة.
على القوى الديمقراطية أن تتجاوز فكرة أنها سبب الأزمة وأن أداء كل طرف فيها السبب، وأن تفتح حوار جاد بينها لكيفية استغلال الانتخابات القادمة التي لا تعرف ميعادها ولا قواعدها.
عليها أن تتجاوز أمور عفى عليها الزمن من تصورات معينة عن التغيير، والمطالبة بشروط مستحيلة لا تستطيع تحقيقها للمشاركة ولكن بالتأكيد لا يعني ذلك الانسحاق و التذلل لسلطة لا تعي أنها نفسها في أزمة، وأنها لا تمتلك نخبة حاكمة أصلا وأن منظمتها السياسية غير موجودة.
على السلطة أن تعي أنها وفقط تحكم بطريقة لا تمت للسياسة بصلة، وأن النظم الانتخابية التي تفرضها ترفضها نخبتها هي أصلا، فهي تحرم كوادر تنتمى لقواعد محافظة تقليدية في طول البلاد من المشاركة أصلا فأصبح العمل الحزبي لديها والمشاركة في مؤسستها النيابية بالتعيين، وهو ما جعل قواعدها هي لا تهتم بالانضمام لأحزابها أو مؤسساتها وهو خطر عليها في الأصل أن تكون سلطة بلا نخبة سياسة مؤيدة لها وهو ما لم تعرفه مصر في طبعات حكمها.
وبعد..
في المقال الأخير القادم، سنحاول تقديم اقتراحات بكيفية تعاون أطراف القوى الديمقراطية في انتخابات برلمان قد يكون بداية لتعاون مشترك مستقبلي، لا ينكر فيها البعض الاختلاف لكن يجب أن يسود الحوار، نحن في أزمة طاحنة لا ترف فيها لتبادل اتهامات لا طائل منها.
نشر بموقع فكر تاني يوم 20 مايو 2025
كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي
تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.