20-05-2025
رغم النجاح الذي تحققه مصر في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى قطاعات الصناعات التحويلية، فإن صانعي السياسة الاقتصادية المحلية لم يتعلموا بعد من تجربة تطور الصناعات التحويلية في العالم، من مرحلة الاكتفاء الذاتي إلى التصدير، ومن الإنتاج الصغير إلى العولمة المتسعة الآفاق.
وتشير بيانات إعداد الخطة الاقتصادية والموازنة المالية للسنة المالية التي تبدأ اعتبارا من أول تموز/يوليو المقبل إلى استمرار الحكومة في التفكير بعقلية إحلال الواردات التي لم تنجح أبدا في مصر منذ تم الأخذ بها في ستينات القرن الماضي. وإضافة إلى ذلك فإن الحكومة تعاني أيضا من عجز شديد في القدرة على تمويل الاستثمارات الصناعية، الأمر الذي يؤكد الحاجة الجوهرية إلى الدور الذي يلعبه الاستثمار الأجنبي في التمويل. ومع أن الحكومة تزعم أن تراجعها عن الاستثمار في الصناعات التحويلية يعود إلى رغبتها في افساح المجال للقطاع الخاص، فإن مطاردتها لأهل الصناعة بمن فيهم أصحاب المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر في مجالات مثل الصناعات الغذائية وتجارة التجزئة وإدارة محطات الوقود والكافيتريات، يُكَذِّب هذا الزعم. إضافة إلى ذلك فإن السياسة النقدية والمالية تفرض قيودا شديدة على الاستثمار الخاص، بدءا من العراقيل الإدارية إلى ارتفاع تكلفة التمويل، إضافة إلى القيود المفروضة على استيراد مستلزمات الإنتاج وتغيير القوانين واللوائح من يوم إلى آخر.
وتستهدف خطة الحكومة الحصول على استثمارات أجنبية لتمويل الصناعة بقيمة 3.5 مليار دولار، في حين أن القيمة الكلية للاستثمار العام في مشروع موازنة 2025/ 2026 تبلغ 1158 مليار جنيه مصري (حوالي 22.5 مليار دولار) تقريبا لتمويل الاستثمارات في الصناعات التحويلية. وينقسم هذا المبلغ إلى قسمين، 87 مليار جنيه لصناعة تكرير البترول و166 مليار جنيه للصناعات التحويلية غير البترولية. هذه الأرقام "قزمية" ولا ترقى الى أي طموحات لبناء صناعات تحويلية قوية في مصر.
ومن الملاحظ حتى الآن أن المصدر الرئيسي الذاتي لتمويل الاستثمار المحلي في الممر الاقتصادي لقناة السويس يتمثل في إيرادات الموانئ (بنسبة 85 في المئة) وعلى رأسها ميناء شرق بورسعيد، أهم الموانئ التي تمد الهيئة الاقتصادية لقناة السويس بالإيرادات. وليس من المتوقع أن تنهض استثمارات القطاع الخاص بالدور اللازم في قطاعات الصناعات التحويلية.
البيانات الرسمية بما فيها مشروع الخطة الاقتصادية للعام القادم تعني عمليا ان الاستثمار في تصنيع مصر قد وقع عمليا على كاهل المستثمرين الأجانب (غير العرب)، وأن مساهمة كل من الحكومة والقطاع الخاص المحلي تعجز عن توفير الاستثمارات الكافية وتتجه إلى تفضيل المقاولات والاستثمار العقاري.
ونظرا لموقع مصر وأهميتها، ومواردها، وسوقها، وعلاقاتها بجيرانها، واتفاقيات التجارة التفضيلية التي تربطها بهم، فإن المستثمرين الأجانب (غير العرب) ، لن يكفوا عن محاولات البحث عن المزيد من الفرص في مصر. ومع ذلك فإن ما ينقص الصناعة المصرية حتى الآن هي أن تكون جزءا من سلاسل الإمدادات العالمية، وأن تصبح الصناعات المتوطنة في المناطق الاقتصادية الخاصة مفتوحة على السوق المحلي وعلى الصناعات المحلية لتأخذ بيدها من الاكتفاء الذاتي إلى التنافسية.
كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي
تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.