مقالات

  18-06-2025

شباب مصر والسياسة.. جدار العزوف العالي

حين يغيب المستقبل عن صناعة حاضره "الشباب هم وقود الثورات وعماد الأوطان ومستقبلها".. كم مرة رددنا هذه العبارة حتى كادت تفقد معناها؟ ننظر حولنا اليوم في مصر، فنجد أن هذا "الوقود" يبدو بعيداً عن محرك السياسة، وأن هذا "المستقبل" يكاد يكون غائباً عن المشاركة في رسم ملامح حاضره.

إن عزوف قطاعات واسعة من شبابنا عن العمل السياسي والانخراط في الشأن العام ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو جرس إنذار يدق بقوة، وينذر بأزمة عميقة تهدد حيوية مجتمعنا ومستقبل ديمقراطيتنا الوليدة التي نسعى جاهدين لترسيخها.

بصفتي شاباً انخرط في العمل السياسي والحزبي، أرى وألمس عن قرب هذا الجدار العالي من العزوف الذي يفصل بين الشباب والسياسة إنه ليس جداراً من اللامبالاة بقدر ما هو جدار من الإحباط، واليأس، وفقدان الثقة، وأحياناً الخوف وهو جدار لم يُبنَ من فراغ، بل أسهمت في تشييده عوامل وسياسات وممارسات جعلت السياسة تبدو للكثيرين كأرض محرمة أو حقل ألغام.

رؤية للحل

في هذا المقال، لا نسعى فقط لتشخيص الداء وتعداد أسبابه، بل الأهم، نحاول أن نطرح رؤية للحلول، حلولاً سياسية وعملية نؤمن بأنها كفيلة بهدم هذا الجدار وإعادة الشباب ليكونوا فاعلين حقيقيين في قلب المعادلة السياسية المصرية.

جذور الأزمة، تمكن في بيئة سياسية طاردة للشباب.

لماذا يبتعد الشباب عن السياسة؟ الإجابات متعددة ومتشابكة، لكنها تتقاطع عند حقيقة مُرة البيئة السياسية الحالية في مصر أصبحت، في مجملها، بيئة طاردة للشباب، تغلق أمامهم الأبواب بدلاً من أن تفتحها.

ويمكن تلخيص أبرز معالم هذه البيئة في النقاط التالية:

1- غلق المجال العام: شهدت السنوات الأخيرة تراجعاً مقلقاً في مساحة الحريات العامة.

التضييق على حرية الرأي والتعبير، وتقييد الحق في التجمع السلمي، والملاحقات التي يتعرض لها بعض النشطاء، كلها عوامل تخلق مناخاً من التوجس والخوف، وتجعل مجرد التفكير في الانخراط السياسي مغامرة غير محسوبة العواقب بالنسبة للكثير من الشباب. حين يشعر الشاب أن صوته لن يُسمع، أو أن تعبيره عن رأيه قد يكلفه ثمناً باهظاً، فمن الطبيعي أن يختار الصمت أو الابتعاد.

إن فتح المجال العام، بمراجعة التشريعات المقيدة للحريات وتوفير ضمانات حقيقية للممارسة السياسية الآمنة، هو الخطوة الأولى والضرورية لإعادة بناء الثقة.

2- تغييب السياسة عن الجامعات: لطالما كانت الجامعات المصرية منارة للفكر ومختبراً للممارسة السياسية وتخريج الكوادر لكن القيود المتزايدة على الأنشطة الطلابية ذات الطابع السياسي أو حتى النقابي، وحظر العمل الحزبي داخل أسوارها، أفقدها هذا الدور الحيوي. لقد تم تجفيف منابع الوعي والممارسة السياسية في أهم مراحل تكوين الشباب، مما أدى إلى فصل أجيال جديدة عن العمل العام المنظم.

إن إعادة الروح للعمل الطلابي الحر، والسماح بإنتخابات  حرة للإتحادات الطلابية وضمان استقلالها، وتشجيع النقاش المفتوح داخل الجامعات، هو أمر لا غنى عنه لتنشئة جيل قادر ومؤمن بالمشاركة.

3- تعطيل بوابة المحليات: يمثل غياب قانون الإدارة المحلية وعدم إجراء انتخابات المجالس المحلية منذ سنوات طويلة إغلاقاً لأهم بوابة للمشاركة السياسية القاعدية للشباب. المحليات هي المدرسة الأولى للسياسة، وهي الميدان الذي يمكن للشباب من خلاله خدمة مجتمعاتهم بشكل مباشر وإثبات قدراتهم واكتساب الخبرة.

إن تعطيل هذا المسار الدستوري يحرم الشباب من فرصة حيوية للمشاركة والتأثير، ويجعل السياسة تبدو كشأن نخبوي بعيد المنال. الإسراع بإصدار قانون عادل للمحليات يمنحها صلاحيات حقيقية، وتخصيص الدستور"كوتا"  للشباب بنسبة 25٪ وإجراء انتخابات نزيهة، هو ضرورة ملحة لفتح هذا الباب المغلق.

4- أزمة الأحزاب السياسية: لا يمكن إغفال أن الأحزاب السياسية نفسها، بما فيها أحزاب المعارضة، تتحمل جزءاً من المسؤولية فالكثير منها يعاني من ضعف الهياكل، وشيخوخة القيادات، وغياب الديمقراطية الداخلية، وضعف التواصل مع قواعدها ومع الشارع بشكل عام كما يضاف إلى ذلك التضييق الأمني والمالي والإعلامي الذي تتعرض له الأحزاب الجادة، مما يحد من قدرتها على الحركة والتأثير. كل هذا يجعل الأحزاب تبدو للكثير من الشباب ككيانات تقليدية، بيروقراطية، أو عاجزة عن تمثيل طموحاتهم وتطلعاتهم نحو التغيير.

قانون الأحزاب

إن إصلاح قانون الأحزاب لرفع القيود عنها، وتشجيع الديمقراطية الداخلية، وتطوير خطاب وبرامج حزبية جذابة ومبتكرة تخاطب الشباب، هو تحدٍ كبير يواجهنا كأحزاب ديمقراطية.

- روشتة عملية لإعادة الشباب إلى السياسة إن مواجهة عزوف الشباب تتطلب إرادة سياسية حقيقية ورؤية شاملة تتجاوز الحلول التجميلية فسوف نحتاج إلى حزمة متكاملة من الإجراءات التي تعالج جذور المشكلة:

- سياسياً وقانونياً: فتح المجال العام، مراجعة القوانين المقيدة للحريات، إصدار قانون المحليات، إصلاح قانون الأحزاب، ضمان استقلال القضاء والهيئات الرقابية.

- تعليمياً وثقافياً: إعادة الاعتبار للعمل السياسي والطلابي في الجامعات، تطوير مناهج التربية المدنية، تشجيع ثقافة الحوار والنقد البناء.

- حزبياً: تطوير الأحزاب لنفسها، تبني الديمقراطية الداخلية، تمكين الشباب داخل هياكلها، ابتكار آليات تواصل فعالة مع الشباب.

- مجتمعياً: دعم المبادرات الشبابية في العمل العام، وتوفير مساحات آمنة لهم للتعبير والمشاركة.

وأخيرا إن عزوف الشباب عن السياسة ليس مشكلتهم وحدهم، بل هو مشكلة وطن بأكمله هو خسارة لطاقات هائلة، وتهديد لمستقبل ديمقراطي نسعى إليه.

مسئولية مشتركة

إن إعادة الشباب إلى قلب المعادلة السياسية هي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الدولة، والأحزاب، والمجتمع المدني، والمثقفين، والإعلام، وعلى الشباب أنفسهم أيضاً.

نحن في الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي نؤمن بأن الشباب هم الأمل الحقيقي للتغيير، ونمد أيدينا إليهم، وندعوهم للانضمام إلينا وإلى كل القوى الديمقراطية، ليس فقط للمطالبة بحقوقهم، بل للمشاركة بفاعلية في بناء مصر التي نحلم بها جميعاً.. مصر الحرة، الديمقراطية، العادلة فالطريق ليس سهلاً، والتحديات كبيرة، لكن الإرادة الصادقة والعمل الجاد والمشترك يمكن أن يهدم جدار العزوف، ويعيد للشباب ثقتهم في السياسة، ويعيد للسياسة شبابها وحيويتها.

محمد هلال

 أمين مساعد محافظة الجيزة

عضو الهيئة العليا للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.