مقالات

  22-05-2025

حين تكون الانتخابات أكثر من مجرد إجراء – 1

كثيرًا ما يُختزل الحديث عن الانتخابات في مواعيدها أو نتائجها، بينما تغيب الأسئلة الأعمق: كيف تُجرى؟ ولماذا تُنتج نتائج بعينها؟ وهل الطريقة التي ننتخب بها تعكس إرادة الناس فعلًا أم تُعيد إنتاج النخبة نفسها؟

في هذه السلسلة من المقالات على موقع فكّر تاني، نحاول أن نقترب من هذه الأسئلة، وأن نفتح نقاشًا هادئًا وموضوعيًا حول العملية الانتخابية في مصر والعالم العربي، من حيث النظم المتبعة، والتحديات التي تواجهها، والخيارات التي يمكن أن تخلق تمثيلًا أكثر عدلًا وفعالية.

نبدأ اليوم بمقال تمهيدي يعرّف أنواع النُظم الانتخابية المطبقة عالميًا، على أن تتناول المقالات القادمة قضايا أكثر خصوصية، مثل: ما هو النظام الأنسب لمصر؟ ما الذي تحتاجه العملية الانتخابية لتكون فعالة ونزيهة؟ هل المشاركة أفضل أم المقاطعة في ظل غياب الضمانات؟ وكيف يمكن ضمان تمثيل حقيقي للشباب والنساء في ظل الواقع القائم؟

نُظم الانتخابات في العالم: كيف يختار الناس ممثليهم؟

لا توجد ديمقراطية دون انتخابات، لكن ليست كل الانتخابات تُفضي إلى تمثيل عادل أو تغيير حقيقي. فالطريقة التي تُجرى بها الانتخابات، والنظام الذي يُعتمد في تحديد الفائزين، لهما أثر بالغ في رسم ملامح الحياة السياسية لأي دولة.

في هذا المقال، نسلط الضوء على النُظم الانتخابية المختلفة في العالم، ونقارن بينها، تمهيدًا لمناقشة السؤال الأهم: ما هو النظام الأنسب لمصر؟

أولًا: النظام الفردي – القرب من الناخب ولكن...

في النظام الفردي، تُقسَّم الدولة إلى دوائر صغيرة، ويُنتخب نائب أو أكثر عن كل دائرة. ويفوز بالمقعد من يحصل على أكبر عدد من الأصوات، سواء بالأغلبية المطلقة (50%+1) أو بالأغلبية البسيطة (من يحصل على أعلى الأصوات فقط).

مزاياه:

• يقرب النائب من دائرته والناخبين.

• يُسهّل المحاسبة المباشرة.

• يُشجّع التنافس الفردي.

لكن له عيوبًا واضحة:

• يُضعف الأحزاب ويُرسّخ العصبيات العائلية أو القبلية أو المالية.

• لا يضمن تمثيل الأقليات أو النساء أو الشباب.

• لا يُفرز خريطة سياسية واضحة أو برامج بديلة.

أمثلة: يُستخدم هذا النظام في الولايات المتحدة وبريطانيا، كما اعتمدت عليه مصر لفترات طويلة، مما أدى إلى هيمنة المال والنفوذ المحلي على التمثيل البرلماني.

ثانيًا: نظام القوائم – من أجل تمثيل أوسع

في هذا النظام، يصوّت الناخبون لقوائم حزبية تضم عددًا من المرشحين، وتُوزَّع المقاعد على أساس الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة. ويوجد نوعان أساسيان:

1- القائمة المطلقة:

• يُصوّت المواطن لقائمة كاملة دون إمكانية التعديل.

• القائمة التي تحصل على الأغلبية تفوز بكل المقاعد.

مزاياها:

• سهولة عملية الاقتراع والفرز

• تدعم تمثيل النساء والشباب والفئات المهمشة. "بشرط إرادة الجهة المنظمة"

عيوبها:

• تُقصي كل القوائم الأخرى، حتى لو كانت قريبة في عدد الأصوات.

• تضعف التنوع السياسي والاجتماعي.

• تجعل العملية الانتخابية أقرب إلى التعيين المسبق.

2- القائمة النسبية:

• تُوزّع المقاعد بحسب نسبة الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة.

• يمكن أن تكون مغلقة (يرتب الحزب أسماء المرشحين) أو مفتوحة (يختار الناخب من داخل القائمة).

مزاياها:

• تُعزز التمثيل العادل والتنوع.

• تفتح المجال أمام قوى سياسية جديدة.

• تدعم تمثيل النساء والشباب والفئات المهمشة.

أمثلة:

• تونس اعتمدت القائمة النسبية بعد الثورة، ما أدى إلى برلمان أكثر تعددية.

• العراق يستخدم قوائم نسبية مفتوحة.

ثالثًا: النظام المختلط – محاولة للتوازن

يجمع هذا النظام بين التمثيل الفردي والقائمة النسبية و/أو المطلقة، حيث يُنتخب بعض النواب عبر دوائر فردية، والبعض الآخر عبر قوائم حزبية.

مزاياه:

• يُوازن بين التمثيل المحلي والتمثيل الحزبي.

• يُتيح مشاركة أوسع.

• يمكن أن يكون مدخلًا مرحليًا لدول تعاني من ضعف الحياة الحزبية.

تحدياته:

• يتطلب إدارة دقيقة وقوانين واضحة لمنع التداخل.

• يحتاج إلى أحزاب قوية وناخبين مدركين لآليات الانتخابات.

أمثلة:

• ألمانيا تُعد من أنجح النماذج في تطبيق النظام المختلط.

• المغرب طبّق صيغة مختلطة تُعطي فرصًا جيدة للقوائم الوطنية.

• في مصر في 2011 كان النظام مختلط والنصف كان قوائم نسبية.

مقارنة عامة بين النظم:

تمهيد لما هو قادم...

بعد هذه الجولة التعريفية في نُظم الانتخابات، يبرز السؤال الطبيعي: ما هو النظام الأفضل لمصر؟ هل نُبقي على النظام الفردي السائد؟ أم ننتقل إلى قائمة نسبية تضمن التمثيل الحقيقي؟ وهل هناك إمكانية واقعية لتطبيق نظام مختلط متوازن يفتح الباب أمام الأحزاب والفئات المهمشة دون كسر التقاليد الاجتماعية والسياسية؟

في المقال القادم، نناقش هذه الأسئلة بعمق، انطلاقًا من التجربة المصرية، وتاريخها الانتخابي، وتحديات الواقع السياسي الحالي.

م/ باسم كامل

الأمين العام للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي

المنسق العام للتحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي

نشر المقال على موقع "فكر تاني" بتاريخ 11 مايو 2025

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.