مقالات

  07-01-2025

المشكلات الحقيقية للطب والأطباء

ليس من العدل ولا من التقدم ألا يعاقب الطبيب على خطئه المترتب على الإهمال الجسيم في حق المريض وعلى بقية الممارسات المنحرفة، إن وجدت، ولكن ليس من العدل أيضًا أن تقتصر رغبة الحكومة في إصلاح المنظومة الطبية على تقويم أخطاء الأطباء، في حين أن مشكلات الطب والأطباء لدينا كثيرة ومعقدة وكثير منها ليس له نظير في أغلب دول العالم، إلا إذا استثنينا الدول والمجتمعات البدائية.

مثلًا هل يوجد، إلا في مصر، طبيب يبدأ أو يستمر عمله في عيادته الخاصة حتى ساعة متأخرة من الليل صيفًا وشتاءً فضلًا عن ساعات انتظار المرضى الطويلة في العيادة ؟! وهل يوجد، إلا عندنا، الطبيب الذي يعمل في عدة مستشفيات خاصة ومستشفي عام وأكثر من عيادة خاصة في الوقت نفسه ؟! فتكون النتيجة أن المريض الذي تضطره ظروفه الاقتصادية لارتياد المستشفى العام يذهب إليه فلايجد أطباء فيه وإن وجد طبيبًا فربما ليس التخصص الذي يريده؟

وهل يوجد، إلا لدينا، فوضى أجور الأطباء والمستشفيات الخاصة المتروكة للتقدير الحر المطلق للأطباء ولإدارات المستشفيات في حين تنظم اللوائح الحكومية في غيرنا من الدول فئات المدفوعات بحد أدنى وحد أقصى لكل أنواع الجراحات وسائر الخدمات الطبية حسب فئة المستشفى في التصنيف الرسمي المعتمد وحسب الدرجة العلمية وسنوات الخبرة للطبيب المعالج ؟

إن أصل الداء في تردي الخدمة الطبية عندنا وفي معاناة المرضى من الأطباء والمستشفيات هو بقاء نظام هذه الخدمة على ماكان عليه منذ أن عرفت مصر الطب الحديث، أي السماح للطبيب بالجمع بين وظيفة الحكومة والعمل الخاص في عيادته وفي المستشفيات الخاصة فتكون النتيجة، ومع احترامي للأطباء ،دوران الطبيب طوال اليوم في دوامة التنقل بين ثلاثة أو أربعة أماكن وأكثر، غير عيادته، في حين أصبح العالم كله تقريبًا يفصل بين طبيب العيادة الخاصة والمستشفى الخاص وبين طبيب الحكومة مع ضمان مقابل مالي أكثر من كاف لمستوى معيشي لائق وتأمين صحي لطبيب الحكومة أي (الموظف العام ) ولأسرته، وفي الوقت نفسه، وبالتالي، لا يزاحم الطبيب الذي يختار العمل في القطاع الخاص زملاءه في مزايا الوظيفة الحكومية

بذلك يمكن تنظيم أوقات عمل الأطباء فيحصل الطبيب على حقه في الراحة ويتجنب الإرهاق الذي يتسبب في فقدان التركيز ويؤدي لكوارث خاصة في الجراحات، ويستريح المرضى من ساعات الانتظار الطويلة في العيادات أو من الذهاب للعيادة في أوقات شاذة ليس لها مثيل إلا عندنا في المحروسة، إذ أنني لم أر في أي دولة عشت فيها أو زرتها مريضًا يذهب إلى الطبيب في منتصف الليل مثلاً أو مريضًا يغادر عيادة طبيبه في ساعات الصباح المبكرة.

وليست الفوضى في الخدمة الطبية عندنا مقصورة على ماذكرته فقط، ولكن أيضًا ليس لدينا مثلاً قواعد تلزم الطبيب، خاصة الجراح، بالتقاعد في سن معينة حرصًا على حياة المريض، وليس لدينا قاعدة إلزام الطبيب الاستشاري بالتوقف عن الممارسة العلاجية كل عدد معين من السنوات للتفرغ مدة مقررة للبحث العلمي.

لم أتحدث فيما سبق عن بقية جوانب المنظومة الطبية والصحية اعتقادًا بأن البدء بالفصل بين طبيب العيادة وطبيب الحكومة ثم الفصل بين الطبيب الخاص وبين جيب المريض بتطبيق دقيق ونزيه لنظام التأمين الصحي الشامل سوف يؤديان تلقائيا إلى إصلاح فوق مانحلم به.

عبد العظيم حماد

رئيس التحرير الأسبق لصحيفة الأهرام

رئيس مجلس أمناء الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.