مقالات

  17-01-2025

الفساد وأسلحة مكافحته

لا شك أن مجتماعتنا العربية ومعظم الدول النامية ومنها بالطبع مصر، تعاني من آفة الفساد متعددة الآثار السيئة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
ونجد في مصر أن القيادة السياسية اهتمت وانتبهت منذ الوهلة الأولى لخطورة ذلك المرض العضال ومدى تأثيره الخطير على المجتمع ، و في التاسع من ديسمبر عام ٢٠١٤ في اليوم العالمي لمكافحة الفساد ، تم تدشين الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد تحت رعاية رئيس الجمهورية بحضور رئيس مجلس الوزراء بصفته رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد وبعض المنظمات الدولية بمقر هيئة الرقابة الادارية. حيث ارتكزت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد فى نسختها الثالثة « 2023 - 2030 » على خمسة أهداف، تحددت فى: إنشاء جهاز إدارى كفء وفعال يقدم خدمات متميزة للمواطن والمستثمر ، وبنية تشريعية وقضائية داعمة ومحققة للعدالة الناجزة ، وجهات قادرة علــى مكافحة الفساد وإنفاذ القانون ، ومجتمع واع بمخاطر الفساد قادر على مكافحته ، وتعاون دولي وإقليمى فعال فى مكافحة الفساد .
وأرى أن الجهاز الإدارى لن يستطيع القيام بتقديم الخدمات بصورة تتسم بالكفاءة والفاعلية دون وجود بنية تشريعية داعمة لمكافحة الفساد ، كما أن قدرة المجتمع على مكافحة الفساد تكمن في وعيه بمخاطره وثقة المواطنين فى نزاهة مؤسسات الدولة و آليات مكافحة الفساد ، والتى ترتكز على الدور القوي الذى تقوم به جهات إنفاذ القانون والجهات القضائية في هذا المجال ، فضلاً عن ذلك ، فإن تعزيز المعرفة وتبادل الخبرات والمعلومات فى إطار التعاون الدولي والإقليمي ، يسهم فى تحسين آليات مكافحة الفساد .
فهل يجوز القول إننا سنقضي على الفساد أو أننا سنستأصل شأفة الفاسدين؟ بداهة، ومن باب الأمانة العلمية لا يجوز فالصحيح هو أن نقول إننا سنكافح من أجل مكافحة الفساد ، لكن بشجاعة، وبطريقة تعاونية وتوافقية وتدريجية وحكيمة ومهنية وتشاركية ، في سبيل وضعه تحت السيطرة بحيث يتحول مع مرور الوقت وإفراغ الجهد من قاعدة إلى استثناء على القاعدة ، يؤكدها ولا ينفيها.

وعليه، لعلنا لا نبالغ عندما نزعم أن تصميمنا على فهم ظاهرة الفساد وأسبابها وأبعادها وآثارها بشكل علمي وواقعي سليم هو المدخل الضروري والشرط الأساسي لمكافحة أنجح للفساد بل لعله يساوي قطع نصف الطريق نحو حلحلة العقدة ،
من أجل ذلك تطرقنا مباشرة لمفهوم الفساد وضبط عناصره ، لتيسير عملية البحث عن المداخل ، والوسائل العملية الكفيلة بمكافحته ( بعد أن أصبح ظاهرة مزمنة في مصر مع الأسف شأنها شأن الأغلبية الساحقة من بلدان العالم الثالث) ولكي يكون مقالنا كاشف أولاً للبيئة المحفزة على الفساد ،
فنجد أنه من المجمع عليه فقهيا أن الفساد ظاهرة غير قابلة للضبط والتحديد الدقيق ، ولذلك يشبهها بعض المختصين في ميدان مكافحة الفساد ” ب الثقب الأسود ”، كلما اقتربت منه لتحاول الإمساك به تملص واستعصى عن عملية الإمساك تلك، و على هذا الأساس ، استعاض الدارسون والباحثون على حد سواء عن تحديد ماهيته بتحديد وقياس مدركاته أو تصوراته على الارض ، أي بعبارة أخرى البيئة التي من المرجح أن يكون الفساد مستوطنًا فيها ، بناء على طريقة البرهان بالمخالفة، ومفادها أنه كلما تواجدت الشروط والاستحقاقات المضادة للفساد، كانت مدركاته قليلة أو قابلة للسيطرة عليها، وكلما انتفت تلك الشروط والاستحقاقات أو كانت فارغة المحتوى تنامت مدركات الفساد وترجحت الظنون بشيوعه وانتشاره، وتتمثل تلك الشروط ببساطة في : إرساء حكم سيادة القانون والشفافية والمساءلة وسلامة النظام الاقتصادي وعدالته وعمومية الخدمات الاجتماعية وإنصافها ، وإعلاء ثقافة تقديم الحساب على كافة المستويات الإدارية داخل دولاب الدولة ،
تأسيسًا على ما سبق ، يمكننا بكل ثقة أن نزعم أنه : خارج أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية لا يكون الفساد استثناء على القاعدة بل هو القاعدة نفسها ، ففرص الفساد لا تكون مضمونة بالضرورة في ظل مؤسسات قوية راسخة وآليات داعمة للشفافية والمساءلة ، وبالمقابل يستقر الفساد ويطيب له المقام في أحضان مؤسسات ضعيفة طاردة لقيم وآليات الشفافية والمساءلة وحكم القانون ، ومحفزة على شيوع القيم والآليات المناقضة ، تكون في ظلها الأنشطة الفاسدة مدرة للربح وغير جالبة للمخاطر على أصحابها ومحركيها .
وتدل الملاحظة التجريبية أن البيئة المحفزة على الفساد تخلق آثارا وخيمة، يمكن معاينتها بيسر فهي تعوق مشاريع التنمية، وتساهم في الوقوع في فخ التخلف، وحلقاته الجهنمية من خلال خدمات رديئة، ومخرجات اقتصادية غير فعالة ، وغير ناجحة وغير منتجة ، كما تغذي الدائرة المغلقة للفقر الواسع النطاق ، بحيث تزيد من الديون عامة ونقل أعبائها إلى أجيال مقبلة بريئة ، والنتيجة هي ما نعرفه ونشهده من أثار توتر اقتصادي و اجتماعي أثر على طبقات في المجتمع هي أشد احتياجًا حاليًا.

لذا تعمل الدولة جاهدة علي الخروج من تلك الأزمات ، بكافة الطرق والتي من ضمنها كما أشرنا حتمية وضرورة سرعة تطبيق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد على أرض الواقع الآن، بمشاركة كافة الجهات المعنية ونقل الخبرات الدولية.

إسلام الضبع
محام بالنقض
أمين الحقوق والحريات
عضو المكتب السياسي بالحزب

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.