02-07-2025
هذه هي الحلقة السادسة من سلسلة مقالات حول النظام الانتخابي في مصر، والتي نسعى من خلالها إلى تحليل القضايا المرتبطة بالمشاركة السياسية وتمثيل المواطنين، بما يكشف مواضع الخلل ويقترح سبل الإصلاح. وفي هذه الحلقة، نتناول موضوعًا لا يقل أهمية عن مضمون النظام الانتخابي نفسه: من هم المواطنون الذين يُستبعدون فعليًا من العملية الانتخابية، رغم أنهم غير مستبعدين رسميًا؟
نتوقف هنا أمام فئتين رئيسيتين: الشباب والنساء. فهما معًا يشكلان أغلبية المجتمع عددًا، لكن حضورهما في المشهد الانتخابي والسياسي لا يزال هشًا ورمزيًا ومشروطًا. هذا الاستبعاد لا يُقاس فقط بمعدلات الترشح أو الفوز، بل يُفهم من خلال طبيعة المشاركة، وشكل التمثيل، ومدى التأثير.
أولًا: الشباب بين الإقصاء وعدم الثقة
رغم أن الشباب يمثلون الشريحة السكانية الأكبر، فإنهم في الواقع من الفئات الأقل مشاركة انتخابيًا، سواء كمُرشحين أو كناخبين. وهذا الغياب لا يرتبط فقط بالقدرة على المشاركة، بل – في كثير من الأحيان – بانعدام الثقة في جدوى المشاركة نفسها. وتأتي أهم أسباب العزوف كالتالي:
• العزوف بدافع الوعي: كثير من الشباب لا يشاركون في الانتخابات، ليس جهلًا بالسياسة، بل رفضًا لعملية انتخابية لا يرون فيها أملًا حقيقيًا في التغيير. وهذا ما تناولناه سابقًا في الحلقات الثالثة والرابعة من هذه السلسلة، حين ناقشنا متطلبات النزاهة وكيفية مواجهة التزوير والقمع.
• النفور من العمل الحزبي المنظم: طبيعة التكوين الثوري لدى قطاع واسع من الشباب تجعلهم يميلون للحركات الاحتجاجية والعمل السريع أكثر من الالتزام بالعمل السياسي المؤسسي طويل المدى، والذي يتطلب صبرًا وبناءً تدريجيًا.
• الخوف من التغيير: ميل الشباب للتجديد والتمرد غالبًا ما يُقابَل بحذر، بل خوف، من القيادات الأكبر سنًا، داخل الدولة وخارجها، وهو ما يؤدي إلى مقاومة تمكينهم أو وضعهم في مواقع حقيقية للتأثير.
• غياب "المفرخة السياسية": مع ضعف الحياة الحزبية وغياب المجالس المحلية – التي هي، بحكم الدستور، مدخل أساسي لمشاركة الشباب بنسبة لا تقل عن 25% – لم يعد هناك حواضن حقيقية تؤهل الشباب للعمل العام.
ثانيًا: النساء حضور رقمي وغياب فعلي
مشاركة النساء في التصويت أحيانًا تكون مرتفعة نسبيًا، لكن هذه المشاركة لا تعني بالضرورة تمكينًا سياسيًا حقيقيًا. بل إن كثيرًا من هذه المشاركة إما تُستغل، أو تكون مشروطة، أو مدفوعة بدوافع غير سياسيةكالتالي:
• الاستغلال بالفقر أو قلة الوعي: في بعض المناطق، تُستخدم النساء ككتلة تصويتية عبر الحشد الإجباري أو التوجيه من الأسرة أو العزوة أو المصالح المباشرة.
• الكوته لا تعني تمكينًا: رغم أن الدستور خصص نسبة 25% من مقاعد البرلمان للنساء، فإن هذا التمثيل لا يعكس دائمًا تمكينًا سياسيًا حقيقيًا، بل يأتي أحيانًا كاستيفاء شكلي لنص دستوري، دون أن تكون العملية الانتخابية ذاتها نزيهة أو عادلة كما ناقشنا سابقًا.
• العقبات التنظيمية والمجتمعية: لا تزال النساء يواجهن ضعفًا في الدعم الحزبي، وخوفًا من التشويه أو الاستهداف عند الترشح، وقيودًا ثقافية تجعل العمل السياسي في نظر البعض "مجالًا ذكوريًا".
• ضعف الكوادر الناتج عن تراجع الديمقراطية: غياب التنافسية السياسية الحقيقية وعدم وجود تدريب سياسي منتظم داخل الأحزاب أدى إلى غياب الكوادر النسائية، كما هو الحال مع الشباب أيضًا.
ثالثًا: ما بين الرمزية والتمكين
القضية الأساسية ليست فقط في تمثيل الشباب والنساء، بل في نوعية هذا التمثيل. هل هو تمثيل رمزي لتجميل المشهد، أم تمكين حقيقي يُترجم إلى دور وتأثير؟ هذا السؤال لا بد أن يُطرح بجدية، وأن تتوافر له إجابات عملية، منها:
• فتح المجال في المحليات: الدستور نص بوضوح على تخصيص 25% من مقاعد المجالس المحلية للشباب، و25% للنساء. وإذا أُجريت انتخابات محلية حرة ونزيهة، فإن هذه المجالس يمكن أن تتحول إلى مفرخة حقيقية لإعداد جيل جديد من الكوادر النسائية والشبابية.
• تطوير الحياة الحزبية: لا يمكن تمكين النساء أو الشباب في الفراغ. لا بد من وجود أحزاب ديمقراطية تُؤمن بالتنوع، وتتيح الفرص، وتدرب وتؤهل، وتكسر الحلقة المفرغة من الهيمنة القديمة.
• تحسين المناخ العام: لا مشاركة بلا ثقة، ولا تمكين في بيئة مغلقة أو مكممة. الانفتاح العام على المجتمع، وحماية الحقوق والحريات، شرط ضروري لخلق بيئة يُمكن أن تشارك فيها النساء والشباب بفاعلية.
أخيرًا: الدمج لا يكون بالشعارات
التمكين السياسي الحقيقي لا يكون بالشعارات، ولا بالنسب الشكلية، بل بمسارات حقيقية للتأهيل والتمثيل والتأثير. وإن كان التهميش جزءًا من تركيبة النظام السياسي والاجتماعي، فإن تجاوز هذا التهميش يبدأ بالاعتراف به، وبالعمل الجاد على تغييره، لا بتجاهله أو تجميله.
في الحلقة القادمة، ننتقل إلى الحديث عن المجالس المحلية، بوصفها المستوى الأهم في بناء الديمقراطية القاعدية، حيث نناقش كيف يمكن أن تكون هذه المجالس منطلقًا لإشراك حقيقي للمواطنين، خاصة الشباب والنساء، لا مجرد محطة شكلية في طريق مغلق.
م/ باسم كامل
نشر المقال على موقع "فكر تاني" يوم 22 يونيو 2025
كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي
تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.