مقالات

  08-06-2025

الإعلام بين التوعية والتعبئة

في زمن تتسارع فيه المعلومات، وتتداخل فيه الحقيقة مع الزيف، يصبح الإعلام الجاد ليس مجرد أداة لنقل الأخبار، بل ضرورة لضمان استقرار المجتمعات وحماية وعيها. لا أبالغ حين أقول إن الإعلام المهني الشفاف هو خط الدفاع الأول في مواجهة الشائعات، لا بعد ظهورها فقط، بل قبل أن تنبت وتتشكل.

المجتمع الذي لا تُتاح فيه المعلومة الدقيقة، ولا يُحترم فيه حق المواطن في المعرفة، هو مجتمع هش، مهيأ لتصديق أي رواية بديلة، مهما كانت عبثية. فعندما  يوجد فراغ في المعرفة، تتسلل الأكاذيب، وتتحول إلى قناعات.

ومن هنا، فإن أول خطوة في مقاومة التضليل ليست الرد عليه، بل خلق بيئة معرفية تجهضه قبل أن يولد.

الإعلام، كما أراه، ليس منصة للتعبئة، بل فضاء للتوعية، فالتعبئة سلاح قديم لجماعات تبحث عن السيطرة لا عن شراكة.

التوعية، على النقيض، تعني احترام عقل المواطن، وإشراكه في فهم الواقع، وتمكينه من اتخاذ قراراته عن وعي.

لا نحتاج إلى إعلام يوجه الجماهير نحو مواقف محددة سلفًا، بل إلى إعلام يفسّر، ويشرح، ويضيء الزوايا المعتمة، ويترك الحكم في النهاية للجمهور.

حين يتحول الإعلام إلى أداة دعاية، يفقد جوهره الديمقراطي، ويصبح جزءًا من المشكلة لا الحل. لا يمكن بناء رأي عام مستنير من خلال الانفعال ، والصراخ ، لم تعد الخطب الحماسية أداة صالحة للتأثير، أصبح تزييف الوعي سلعة سريعة البوار سرعان ما تفسد في هذا الفضاء المفتوح. التأثير في الجماهير لابد أن يعتمد أساسًا على  بناء وعي نقدي، يتغذى على معلومات حقيقية، ويتشكل عبر نقاشات حرة، لا عبر شعارات مسبقة الصنع.

نحن بحاجة إلى إعلام لا يُمارس وصاية على الناس، بل يعزز قدرتهم على طرح الأسئلة. إعلام لا يُحرّض، بل يشرح. لا يُضلل، بل يكشف. لا يصنع رأيًا عامًا مُعبّأ، بل يشارك بصدق في بناء رأي عام ناضج، يفرّق بين الحقيقة والتضليل.

لا يمكن مواجهة الشائعات دون ضمان تدفق المعلومات. الشفافية ليست ترفًا، بل درعًا واقيًا من الزيف. حق الناس في المعرفة ليس منحة، بل أساس الشراكة بين الإعلام والمجتمع، وشريان الثقة الذي إذا انقطع، انهار كل شيء.

الإعلام الجاد لا يسعى وراء الإثارة، بل ينحاز للفهم. لا يكتفي بنقل ردود الأفعال، بل يسهم في تشكيل وعي يمكّن المجتمعات من التفكير والتصرف بوعي ومسؤولية.

نجاح الإعلام لا يُقاس بعدد المتابعين، بل بجودة الوعي الذي يصنعه. لا بمقدار الضجيج، بل بقدر ما يشرح، ويُبصّر، ويترك الناس أحرارًا في فهمهم ومواقفهم.

لم يعد هناك مكان لمهام "وزارة الإرشاد القومي"، بل أصبح الإعلام  ينطلق في قنوات مفتوحة لا تتدفق بإتجاه واحد فقط، بل تسير في اتجاهات متعددة، والإعلام الناجح هو من يستطيع الإبقاء على هذه القنوات مفتوحة وتغذيتها بالمعلومات الصحيحة وخلق رأي عام ناضج يحول دون انزلاق المجتمع إلى مساحات التلقين أو التضليل، ويعزز من قدرته على التمييز بين المعلومة والرأي، بين الحقيقة والدعاية.

ففي هذا الواقع الإعلامي المتغير، يصبح الوعي النقدي والمشاركة الواعية حجر الأساس في بناء مجتمع يفكر، يناقش، ويختار.

منى شماخ

كاتبة

أمين إعلام الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي

الرابط الأصلي للمقال:

https://t.ly/vvnKi

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.