مقالات

  24-06-2024

إنقطاع الكهرباء.. من يعيشه ليس كمن يتحدث عنه

يمر خبر انقطاع الكهرباء لمدة ساعتين أو أكثر يوميًا مرور كثير من الأخبار التي فقدت معناها، نظرًا لتكرارها. لكن من يعيش تجربة انقطاع الكهرباء ليس كمن يتحدث عنها.

إنها تجربة حياتية مثيرة، تدعوك لتأملها، ومحاولة استخلاص العبر منها. لكنك كمفعول به لا يملك من أمر نفسه شيئًا تستسلم في النهاية.

تكرار التجربة يحولها إلى عادة مملة، لكنها واجبة.

عليك أولًا أن تنتبه بعناية لموعد الانقطاع اليومي للتيار الكهربائي، فقد يأتيك مباغتًا قبل الموعد وقبل أن تستعد له. وقد يأتيك بعد أن تكون راودتك أضغاث أحلام بأن الوقت قد مضى، وأن التيار سيبقى، فينفصل في التو واللحظة نفسها.

وإذا كنت ممن تألموا ألمًا شديدًا من وجع جيوبهم بسبب الخسائر في الأجهزة الكهربائية التي يسببها انقطاع التيار ثم عودته قوياً عن التردد العادي، ما يؤدي إلى خراب محركات ثلاجتك أو الغسالة أو إصابة جهاز التليفزيون بصمت أبدي، أو انفجار جهاز شحن الموبايل، أو الكمبيوتر، هذا إذا لم يكن واحد منهما قد انتهى أمره، والبلاء أشد البلاء إذا كنت قد تعرضت لخسارة أجهزة التكييف والمراوح.

إذا كنت قد تعرضت لمثل هذه الحالات، فإنك ستهرع إلى كافة الأجهزة لتفصل كل منها عن مصدر الكهرباء. وربما يعفيك من ذلك أن تكون محظوظًا بحيازة جهاز تثبيت التيار الكهربائي ذي السعة الكافية لتنظيم مرور التيار عند عودته إلى الأجهزة، ومنها وأهمها أجهزة التكييف والمراوح.

ولمدة ساعتين فإنك لا تستطيع تناول شاي أو قهوة أو أي شراب ساخن. لا تستطيع أن تسمع صوت الراديو أو أن تشاهد بث التليفزيون. ولا تستطيع تلقائيا التفكير في أي مشروع لملء وقت الفراغ أثناء انقطاع التيار الكهربائي. لا تستطيع مثلًا أن تمارس بعض التمرينات الرياضية، لأنك في هذا الحر القاتل إما أن تصاب بغيبوبة أو تغرق في العرق. وعندها لن ينقذك حمام بارد لأن موتور رفع المياه إلى الأدوار العلوية لا يعمل بالبطارية! فماذا تفعل في ساعتين كاملتين؟ انك لن تستطيع حتى أن تنام، لأنك لا تستطيع تشغيل جهاز التكييف.

قد تخطر على بالك فجأة فكرة ان تنزل لتتمشى في الشارع وترى الناس والمحلات المغلقة المتوقفة عن العمل. لكن هذه الفكرة المجنونة لا تجد طريقها إلى قدميك لأن الأنسانسير متوقف هو الآخر. آه .. إنها البلكونة إذاً .. البلكونة هي الحل! لكنك تنتبه وتقول لنفسك: هل أنت مجنون؟ وهل يصل بك الأمر إلى مجرد التفكير في فتح أبواب البلكونة، حيث القيظ والهواء الساخن يسفخ وجهك بقوة، وحيث التراب يدخل إلى بيتك بدون استئذان؟!

إنك لا تستطيع أن تفعل شيئًا عند انقطاع التيار الكهربائي، فتنمو فيك روح الطائع المستسلم يومًا بعد يوم، ثم تجبرك إجراءات مواجهة انقطاع التيار على تبني عادات جديدة، تلازمك سواء جاء التيار الكهربائي أو انقطع ..

يالها من طريقة لإعادة التربية، طريقة للتهذيب والإصلاح .. قطع التيار الكهربائي وسيلة من وسائل صنع الإنسان المستسلم، الكسول، البليد، غير المنتج، الذي لا يشعر أبدًا بقيمة الوقت.

هذا الإنسان دعوه في حاله، لا تقلقوا منامه إذا نام.

د/ابراهيم نوار

باحث متخصص في العلاقات الاقتصادية والنزاعات الدولية

عضو مجلس أمناء المصري الديمقراطي الاجتماعي

كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي

تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.