20-05-2025
بشأن قرار النقابة العامة لمحامين مصر بالامتناع عن الحضور أمام محاكم الجنايات يومي 18، 19 مايو الجاري
يهمنا أن نوضح الآتي:
فإن حق اللجوء إلى القضاء من الأمور الهامة التي لا يجوز للأشخاص التنازل عنها بصورة مطلقة، ويُعد من أهم ضمانات هذا الحق مبدأ مجانية التقاضي، الذي من شأنه أن يسمح لكل فرد باللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقوقه دون أن يكون الاعتبار المادي عائقًا أمامه.
إذ أن الأنظمة المعمول بها غالبًا ما تتطلب رسومًا قضائية تُوصف بالرمزية، بالإضافة إلى ما تتطلبه الدعوى القضائية من نفقات قد تُثقل كاهل الأفراد، فتجعلهم يُفكرون مليًا قبل اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالحماية القضائية لحقوقهم، وهو الأمر الذي يُقوّض مبدأ مجانية التقاضي.
إن الإصرار على إصدار قرارات بزيادة الرسوم القضائية، أو رسوم الخدمات القضائية المتمثلة في استخراج الأوراق والشهادات، أو حتى فرض رسوم جديدة على مجرد تقديم الأوراق والمذكرات وحوافظ المستندات، أو استخراج صور رسمية من هذه الأوراق، بات يُمثل عائقًا جديدًا أمام الحق في التقاضي والنفاذ إلى القضاء.
كما تمثل الزيادة المتكررة في الرسوم القضائية، سواء كانت رسوم رفع الدعاوى أو رسوم مباشرة بعض الإجراءات، من الأمور التعجيزية التي تُثقل مباشرة حق التقاضي ذاته، وتشكل حائلًا بين غالبية المواطنين المصريين والولوج إلى مرفق القضاء لاقتضاء حقوقهم عبر السبل الشرعية المرسومة بموجب الدستور.
وفي ظل المتغيرات الشديدة والمتلاحقة التي تمر بها الدولة المصرية، خاصة في السنوات الأخيرة، والشعور بعدم الاستقرار وفقدان الإحساس بالأمان، فإن القضاء المصري المحمل بالمشاكل والهموم، والمتمثلة في البطء الشديد في التقاضي والفصل في الدعاوى، وازدحام المحاكم، وزيادة عدد القضايا، وقلة عدد القضاة، فإن قرارات زيادة الرسوم تمثل عبئًا جديدًا على عاتق المواطن، وتجعل من التفكير في حلقات التقاضي للبحث عن العدالة واقتضاء الحقوق وسيلة غير مأمونة، سواء من حيث زيادة الرسوم في البداية، أو من خلال الرسوم التي تُفرض بعد الفصل في الدعاوى.
إن المشروعية الدستورية غايتها أن تكون النصوص القانونية والقرارات الإدارية مطابقة لأحكام الدستور، وتتبوأ هذه الشرعية قمة البنيان القانوني في الدولة.
وعلى الرغم من أنه من المقرر أن الحقوق التي كفلها الدستور – ومنها حق التقاضي وحق الدفاع – ليست حقوقًا مطلقة، وإنما يجوز تنظيمها تشريعيًا بما لا ينال من محتواها إلا بالقدر وفي الحدود التي ينص عليها الدستور،
إلا أنه لا يُغيّر من ذلك القول بأن تلك القرارات تستهدف تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين في مرفق القضاء، وأعمالًا لما يوجبه التحول الإلكتروني، فإن مواجهة الطلب والاستفادة من الثورة العلمية والتكنولوجية واستخدام أحدث الوسائل العلمية في تدعيم نظام المحاكم بالتطوير في عمل الجهات القضائية، لا يكون إلا عن طريق تدخل المشرع بزيادة الرسوم القضائية، لتقرير مساهمة المتقاضين إعمالًا للشرعية وسيادة القانون.
لقد دأب رؤساء محاكم الاستئناف على مستوى الجمهورية على إصدار قرارات بتعديل الرسوم القضائية من آن لآخر، وكان آخر هذه القرارات ما صدر عن رئيس محكمة استئناف القاهرة بتعديل الرسوم القضائية ودخولها حيز التنفيذ في 1 / 3 / 2025، وتلا ذلك رفع مذكرة لمجلس رؤساء الاستئناف في 5 / 4 / 2025، ثم صدور القرار رقم 28 لسنة 2025 بتاريخ 9 / 4 / 2025، وذلك بالمخالفة للقانون والدستور.
وقد صدر العديد من الأحكام من محاكم القضاء الإداري بخصوص قرارات رؤساء محاكم الاستئناف على مستوى الجمهورية بوقف تنفيذ وإلغاء هذه القرارات المتعلقة بزيادات في الرسوم القضائية بأشكال مختلفة، والتي لم تُنفذ حتى هذه اللحظة.
وحيث إن القانون قد حدد أنواع الرسوم القضائية كما وضع آلية لحسابها،
وحيث إنه في النظام القانوني المصري، فإن تعديل الرسوم القضائية يتم من خلال السلطة التشريعية – وهي البرلمان (مجلس النواب) – بناءً على اقتراحات من الحكومة أو من أعضاء البرلمان، ويخضع ذلك لإجراءات تشريعية محددة، ويتم إصداره في صورة قوانين أو قرارات جمهورية بعد موافقة البرلمان.
والمراجع القانونية لتعديل الرسوم القضائية أو إقرار الجديد منها هو الدستور المصري، حيث حدد الصلاحيات التشريعية للبرلمان والحكومة، وبما يضمن أن تكون تلك القوانين متوافقة مع المبادئ الدستورية، وذلك في إطار:
وهناك عدة ضوابط دستورية وقانونية يجب مراعاتها عند إقرار رسوم أو مصاريف قضائية جديدة، أو عند تعديل القديم منها، تتمثل في:
وفي النظام القانوني المصري، لا يملك رؤساء محاكم الاستئناف أو أي جهة قضائية سلطة تعديل الرسوم القضائية، لأن ذلك يخضع بشكل كامل للسلطة التشريعية والتنفيذية عبر قوانين أو قرارات جمهورية أو وزارية.
أما دور رؤساء المحاكم – بما فيهم رؤساء محاكم الاستئناف – فهو:
وقد نص الدستور المصري الحالي في المادة (38) على أن:
"يهدف النظام الضريبي وغيره من التكاليف العامة إلى تنمية موارد الدولة، وتحقق العدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية. ولا يكون إنشاء الضرائب العامة أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، ولا يجوز الإعفاء منها إلا في الأحوال المبينة في القانون، ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب أو الرسوم إلا في حدود القانون..."
وإذا كانت القرارات التي تصدر من رؤساء محاكم الاستئناف هي قواعد تنظيمية عامة بشأن تطبيق نظام الخدمة المميكنة بمحاكم الاستئناف والمأموريات والإدارات التابعة لها، إلا أنها موصومة بعدم المشروعية،
إذ لا يُغيّر من عدم مشروعيتها القول بأنها تستهدف تحسين الخدمات أو تنفيذ التحول الرقمي، لأن تنفيذ مثل هذه التغييرات المالية لا يكون إلا بتدخل المشرع.
وبناءً عليه:
أولًا: هناك العديد من الأحكام الصادرة من محاكم القضاء الإداري بوقف تنفيذ وإلغاء القرارات السابق صدورها من رؤساء محاكم الاستئناف بزيادة أو فرض رسوم أو مصاريف قضائية جديدة، ولم يتم تنفيذها حتى الآن.
ثانيًا: تصميم رؤساء محاكم الاستئناف على الاستمرار في إصدار مثل هذه القرارات بالمخالفة للدستور والقانون.
ثالثًا: صدور ذات القرارات مؤخرًا من كيان يُدعى "مجلس رؤساء الاستئناف"، وهو كيان غير قانوني ومخالف لقانون السلطة القضائية.
رابعًا: ارتكاب جريمة التعسف في الجباية (جريمة الغدر) المنصوص عليها في المادتين 114 و115 من قانون العقوبات.
خامسًا: كافة القرارات الصادرة منذ آخر تعديل لقانون الرسوم القضائية والتوثيق بموجب القانون رقم 126 لسنة 2009، تُعد منعدمة قانونًا.
وقد اجتمع مجلس النقابة العامة للمحامين في بداية أزمة الرسوم القضائية، وقرر الاتجاه لحل هذه الإشكالية تفاوضيًا، إلا أن المفاوضات لم تأتِ بحل جذري للأزمة.
وقررت النقابة العامة والنقابات الفرعية تصعيد الاعتراض على هذه القرارات بشكل حضاري، فعُقد مؤتمر صحفي، ثم اجتمعت النقابة العامة والنقابات الفرعية للمرة الثالثة، وتراوحت القرارات الصادرة عن هذه الاجتماعات ما بين وقفات احتجاجية، والامتناع عن توريد الرسوم لخزائن محاكم الاستئناف، ثم إعلان الإضراب الجزئي، وانتهاءً بتحديد موعد الجمعية العمومية للمحامين يوم السبت الموافق 21 / 6 / 2025.
وفي ظل العناد الواضح والإصرار على فرض هذه الرسوم بالقوة، وبالمخالفة للدستور والقانون، فإننا نطالب بالتدخل العاجل من مؤسسة الرئاسة لنزع فتيل هذه الأزمة التي تتفاقم، وذلك في ظل التجاهل غير المبرر لمطالب المحامين المشروعة الدستورية والقانونية.
ونؤكد أننا لا نرغب ولا نريد لأحد أن يستغل هذه الأزمة ويدفع الأمور في اتجاه لا يُحمد عقباه، حرصًا على هذا الوطن.
وندعو إلى تطبيق آخر تعديل للقانون رقم 90 لسنة 1944 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2009، وإلغاء كافة قرارات زيادة الرسوم القضائية من كافة أنواعها، من تاريخ صدور هذا التعديل في 21 / 5 / 2009.
كما نطالب بتشكيل لجنة من وزارة العدل، ومجلس القضاء الأعلى، ونقابة المحامين، ووزارة المالية، ومجلس النواب، للنظر في تقنين رسوم الميكنة، وتعديل كافة الرسوم والمصاريف والمطالبات القضائية، بما لا يُفرغ المبدأ الدستوري المتعلق بمجانية الحق في التقاضي من مضمونه، وبما يُحقق مصلحة المواطن أولًا، ولا يُثقل كاهله بمقابل الخدمة القضائية.
إسلام الضبع
محام بالنقض
أمين الحقوق والحريات
عضو المكتب السياسي بالحزب
الرابط الأصلي للمقال:
كل الحقوق محفوظة © 2021 - الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي
تطوير وإدارة الموقع: مؤسسة سوا فور لخدمات مواقع الويب وتطبيقات الموبايل.